كانت وثبة الجيش المباركة إيذانا بنهاية حكم إقطاعي جائر. ظلت مصر السنين الطوال ترزح بسببه تحت أعباء ثقال من العنت والإرهاق والشقاء. وتتجرع كؤوسا فائضات من البؤس والأسى والعناء، ولم تكتب وثبة الجيش المباركة نهاية ذلك الحكمالإقطاعي المنقرض إلا وهي مؤمنة بفساده، وبضرورة هدمه من أساسه، لتقيم على أنقاضه نظاما صحيحا يعتمد على أسس سليمة تحقق الخير للشعب والوطن على السواء.
ومن الحقائق التي لا تحتاج إلى نقاش، أن الحكم الإقطاعي المنقرض لم يشد أزره في الماضي المنصرم سوى نظام الحكم الوراثي، الذي كان شرا كله على مصر وطنا وشعبا، فقد كان يخيل إلى الجالس على العرش أن مصر ضيعة له، وان شعبهاعبيد نعمته، كما قدر له أن يظل في جبروته مطمئنا، وفي عدوانه آمنا، لا يرهب الشعب ولا يخشى ثورته، لأن الشعب الذي لم يجلسه على العرش لا يقوى على خلعه عنه، ولأن الشعب الذي اغتصبت بلاده لتكون إقطاعية يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، لا يقوى على انتزاع السلطة من المفروضين على حكم بلادهم فرضاً.
ونظام الحكم الوراثي نظام إقطاعي محض، نكبت به بلاد الشرق، وفي مقدمتها مصر، فقد ضلت الأسرة العلوية تحكمها حكما وراثيا خلال قرن ونصف قرن، فنهبت ما نهبت من خيراتها، وسرقت ما سرقت من أراضيها، وحولت مجرى الثراء إلى أفرادها، حتى بلغوا القمة من الثراء بينما هوى الشعب إلى الدرك الأسفل من الفاقة، ولم تهب لهذا الشعب المغلوب على أمره لحظة من الحرية حتى يرى النور، ولا ذرة من الرخاء حتى يلمس السعادة، لأن الحرية كانت وقفا على الأمراء يجعلون منها حصنا لمجونهم وترفهم وعربدتهم، ولأن السعادة كانت حقا مقدسا لهم وحدهم، ينعمون بها، ويمرحون في ظلها، ويلتمسون بها حياة الدعة ودنيا الأرستقراطية البلهاء!
واليوم يرقب الشعب المصري، ويرقب العالم أجمع معه باهتمام ما جرت الأمور في مصر، وإلى أي نظام ستتجه في حكمها، ولم يعتقد الشعب المصري، ولا الدول المخلصة من دول