[رؤيا مزعجة]
لم أكد آوي إلى فراشي البارحة حتى انثالت على خاطري صور
أشتات من جملة ما سمعت وقرأت عن حال المشردين من عرب
فلسطين الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، وجردوا من مالهم بغير
رحمة، وقضي في مصيرهم بغير عدل. وكان مبعث هذه الصور
حديث سمعته عصر الأمس من صديق عاد من فلسطين بعد ما رأى
بعينيه افظع مناظر البؤس، وسمع بأذنيه أروع مآسي الحياة. وكنت
وهو يتحدث أتمثل من خلال وصفه طرائد صهيون من ورَّاث المجد
وربائب النعيم يلوذون بمغاور الجبال وكهوف الأودية، ويتبلغون بيابس
النبت وآسن الماء، ويتسترون بأخلاق الثياب ومِِزق الخيش، وأطفالهم
دفاق الأشباح فوق ظهورهم أو بين أيديهم يتضاغون من الجوع
ويتطرحون من الكلال؛ ونسائهم الشواحب العجاف يجررن أرجلهن
الدامية على الحصى جراً فلا تكاد تتبعهن من فرط اللغوب. فإذا ذكرن
ما صنع بهن علوج إسرائيل ذرفن ما بقي في المآقي، ثم تطلعن لها في
إلى صلاح الدين الهاشمي يستصرخنه للمجد المغلوب، والتراث
المغصوب، والعرض المسلوب، فتهب وا أسفاه ريح (غريبة) تعدل
بصرختهن عن القصر إلى الفقر، فلا يسمعهن وريث الرشيد، ولا
ينجدهن سليل المعتصم!
أمست هذه الصور المروعة تتمثل في ناظري، أو تتراءى في خاطري، وصوارف العمل أو شواغل الناس تخفيها الساعة بعد الساعة، حتى خلوت إليها على وسادي القلق، فتوالت في ظلام الغرفة مسرعة على عيني، كما تتوالى صور الفلم متلاحقة على عين المشاهد،