للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[في عيد المعري]

للدكتور عبد الوهاب عزام

- ٢ -

ويوم الاثنين ثامن شوال سنة ١٣٦٣ من الهجرة، اجتمعت وفود البلاد العربية في جامعة دمشق، واحتشد الناس ليشهدوا افتتاح المهرجان، وجلس الوفود على منصة عالية في صدر المجلس ومعهم رئيس المجمع العلمي العربي وأعضاؤه - وهم الداعون إلى الاحتفال والقائمون عليه - وحانت ساعة الافتتاح فأقبل رئيس الجمهورية وجلس وسط الصف الأول من الوفود ومعه بعض الوزراء وكبراء الدولة.

أمة تمجد شاعراً من شعرائها، وفد احتفت لهذا واجتمعت له، وشهد الإجماع رئيس الدولة. ذلكم أمر أمم، وخطب يسير لو وقف الفكر عند هذا المظهر المرئي، وهذا الجمع الحاضر؛ ولكن وراء هذا المرأى معان ومعان؛ هذه الأمة العربية المجيدة قد عرف نفسها، وتبينت وحدتها، فبعث وفودها إلى دمشق لتجتمع على تمجيد شاعر من شعرائها. فالتقت فيها وجوه متعارفة لا تتناكر، وقلوب متعاونة لا تتنافر، وتحدثت عن الماضي والحاضر، وطمحت إلى الآتي بآمال مجتمعة، وعزائم مجمعة، وقد اجتمعت في الساعة نفسها وفودها في الإسكندرية لتشرع لوحدتها شرعة، وتخط لها منهاجاً، وتتحالف على الخطوب، وتعد للحوادث، وتلقى الزمان برأي جميع، وأمر جامع. ولم يوافق اجتماع دمشق اجتماع الإسكندرية إلا إيذانا بيقظة هذه الأمة، وطلبها المجد والكمال في كل نواحيها، وسلوكها كل سبيل إلى مقاصدها. وما رئيس الجمهورية هذا الجالس في حفل المعرّي إلا ربيب الثورات وغذِي المجن فما نال مكان الرياسة من الجمهورية السورية إلا بأن العرب الثائرين تولوا أمورهم، ونالوا مكانهم في بلادهم، وأن الثورة ظفرت، والآمال تحققت، وبدت بشائر الفجر الصادق للمستقبل الكريم. ولقد كان من مقاصدي يوم أزمعت شهود مهرجان المعري أن أرى شكوى القوتلى وصحبه يصرفون الأمور في حاضرة بني أمية، وأن أسعد نفسي برؤية ما تمنيت، وشهود ما أملت. لقد أديل من الضعف للقوة، ومن الذل للعزة، ومن الفرقة للاجتماع. ولم يبق إلا أن تعتزم الأمة المجيدة وتقسم لتبلغن غايتها، ولتنالن مُنيتها. وما أقسمت أمة وعزمت إلا أبرتها الحادثات، وأمضى يمينها الزمان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>