خرجت ذات يوم للصيد، فلمحت على بعد ظبياً تلوح عليه دلائل الطهارة والغبطة وهو يقفز مرحاً فوق الخضرة التي بللها الندى
ويظهر أن الغريزة التي تخلقها العادة تتغلب دائماً على الطبيعة النفور من القتل، ولذلك لم أشعر إلا وقد فتنت رصاصتي إحدى كتفيه. وعندئذ أخذت أقترب منه وقد هرب دمي واضطربت نفسي، لآن ذلك الحيوان الوديع كان ورأسه ملقى فوق العشب ينظر إلى بعينين تسبح في مآقيهما الدموع
نعم إنني لن أنسى تلك النظرة التي جمعت بين دهشته وألمه، لأنها كشفت لي عن مبلغ شعوره الناطق وإن كان أبكم. شعرت كأنها توجه إلي مرير العتب على قسوتي التي لم تقم على سبب، وكأنها تقول لي:
(من أنت؟ إنني ما أسأت إليك. بل ربما كنت من الصابرين على حبك. فلم طعنتني تلك الطعنة القاتلة؟ ولم تطمع في حصتي من السماء والهواء والنور وتحول بيني وبين الحياة والشباب؟ ماذا يكون حال أمي وأخوتي وصغاري وصحبي وهم يرقبون عودتي إذا لم يروا بعد ذلك إلا بعض نتف مبعثرة من صوفي على أثر اعتدائك، وهذه النقط من دمي الذي لطخت به وجه هذا العشب النضير؟ أفاتك أن في السماء منتقماً لي وقاضياً لك؟ ومع ذلك فقد صفحت عنك، وهاهماتان عيناي لم يعد فيهما أثر للحقد، لأنني فطرت على التسامح، حتى مع قاتلي!)