قدمت صاحب السلطان الحقيقي إلى قرائي في المرة السالفة أو بالأحرى قدمتهم إليه! فهو من يقدم إليه الناس جميعاً ولا يقدم قط إلى أحد، ومن كان يماري في ذلك فليشهد مجلساً من مجالسه ثم لينظر هل يقدم هو مهما كان من خطره إلى صاحب السلطان أم يقدم صاحب السلطان إليه حرصت بعد المرة الأولى على رؤيته حرصاً إنساني كل متعة وحقر في نفسي كل فرجة فأعددت منظاري وظللت أنتظر بصبر فارغ وشوق نازع حتى حانت الفرصة فدعاني إلى داره رجل من أطراف القرية رأيت وجهه يقطر السرور وهو يفضي إلي بما نال من شرف ضيافته الشيخ في تلك الليلة
وتفضل الرجل فدعا شاباً من ذوي قرباي كان معي فقبل كما قبلت واشترط مثلما اشترطت ألا نمكث حتى العشاء، فما كان كلانا يتطلع إلا إلى رؤية الشيخ. وكان رفيقي الشاب قد تشوق إلى رؤيته بعد ما سمعه عنه وكان وقد ظفر بالأمس القريب بإحدى الإجازات العليا تمتلئ رأسه بفلسفة الفلاسفة. ولعله كان يرغب أن يعد لنفسه منظاراً مثل منظاري، أو لعله كان يريد أن يطبق على الشيخ ما في رأسه من فلسفة. فقد حدثني أنه يعلم من أمر هؤلاء الأشياخ أنهم جدً أذكياء وأنهم يسيرون على قواعد (سيكولوجية) دقيقة تغيب عن الإغفال من العامة.
وكان صاحبي ونحن في الطريق إلى تلك الدار التي احتوت الشيخ وحاشيته يحدثني ضاحكا أنه كف يده في الصباح بعد أن هم بالتصدق على مسكين بنصف ريال وأنه يخشى أن يظهر الشيخ كرامته فيفضح بخله في المجلس
وبلغنا الدار فإذا حشد من أنماط الناس من رجال ونساء قرب الباب، وإذا الشارع أمامها مكنوس مرشوش، وإذا وفود المدعوين يدخلون الدار قبلنا؛ وإذا الدخان يتصاعد من النوافذ. ولما كنا في وسط الدار لم يفت منظاري ذلك النشاط الذي ملأها، فهؤلاء النسوة مشتغلات كل منهن بعمل يتصل بإعداد الطعام، وفتيان الدار يدخلون ويخرجون من المنظرة التي جلس فيها الشيخ وفي أيديهم (صينيات) القهوة والقرفة والشاي ووجوههم جميعاً متهللة مستبشرة