بعد أن اجتزنا أبا زنيمة في طريقنا إلى دير سانت كاترين في سيناء شتاء سنة ١٩٣١ وصلنا إلى ربوة تشرف على البحر، وكانت الشمس عندئذ تؤذن بالمغيب آخذه في الاحتجاب وراء جبال صحراء العرب على الشاطئ الآخر لخليج السويس، فبدت هذه الجبال وقتها والشمس وراءها واضحة جلية برؤوسها العالية مرصوصة في خط طويل مواز للبحر، وكان جبل الشايب بهامته الشامخة في الوسط أبرزها ارتفاعاً أعظمها جلالا وفخامة - كان المنظر بديعاً أثار في نفسي رغبة شديدة لزيارة هذه المنطقة، إلا أن تنفيذ هذه الرغبة لم يكن حينئذ بالأمر السهل، فالشقة بعيدة، والانتقال إليها فيه صعوبة ونفقة كبيرة، فمكثت انتظر الفرصة إلى أن سنحت صيف هذا العام بعد ذلك بسنتين، فقد تفضل صديقي العالم النابه الدكتور محمد عبد الخالق بك، فدعاني لمرافقته في رحلة علمية إلى الغردقة على البحر الأحمر، حيث مكننا شهرا كاملاً كانت كل أيامه بركة على العلم وعلينا. فالأبحاث العلمية الطريفة والتجارب الدقيقة التي قام بها الدكتور عبد الخالق بك على أسماك البحر الأحمر وحيواناته ملأت نتائجها مجلداً ضخماً كما ضاق عن نماذج الأسماك والطفيليات التي جمعها ما كان معنا من صناديق وحقائب. ثم كانت رحلاتنا العديد إلى البحر والبر، فمن مناطق المرجان العجيبة إلى المنشآت العظيمة لشركة البترول بالغردقة، وشركة الفوسفات بسفاجة، ثم إلى الكتلة الجرانيتية الهائلة لجبل الشايب ثم اختراق السلسلة الجبلية الوعرة إلى قنا على النيل.
كل هذا وغيره سأحاول أن أصفه في ايجاز، راجيا أن أوفق في رسم صورة تقريبية لمعالم هذه المنطقة المنعزلة التي لا نعرف عنها الكثير ولا القليل
كان فجر يوم الخميس ٦ يوليه سنة ١٩٣٣ موعدا للقيام بالرحلة، فأقلتنا السيارة من القاهرة إلى السويس عن طريق الصحراء، فبلغناها ضحى، ثم توجهنا إلى ميناء الزيت إحدى