عنَّ لي أن أعرف رأي الرافعي في دراسة الأدب، فكتبت إليه خطاباً في ذلك كان الجواب عنه هذا الكتاب:
طنطا في ٣٠ ديسمبر سنة ١٩١٢
أيها الفاضل
إن أعمالي كثيرة في هذه الأيام، ولذا أراني أبطأت في الرد على كتابك، وإني مجيبك عنه بإيجاز لأن ما سألت عنه يصعب التبسط فيه على وجه واحد
إنك تريد امتلاك (ناصية الأدب) كما تقول، فينبغي أن تكون لك مواهب وراثية تؤديك إلى هذه الغاية وهي مما لا يعرف إلا بعد أن تشتغل بالتحصيل زمناً، فإن ظهر عليك أثرها وإلا كنت أديباً كسائر الأدباء الذين يستعيضون من الموهبة بقوة الكسب والاجتهاد، فإذا رغبت في أقرب الطرق إلى ذلك فاجتهد أن تكون مفكراً منتقداً. وعليك بقراءة كتب المعاني قبل كتب الألفاظ، وادرس ما تصل إليه يدك من كتب الاجتماع والفلسفة الأدبية في لغة أوربية أو فيما عرب منها. واصرف همك عن كتب الأدب العربي بادئ ذي بدء إلى كليلة ودمنة والأغاني ورسائل الجاحظ، وكتاب الخبران، والبيان والتبيين له. وتفقه في البلاغة بكتاب المثل السائر؛ وهذا الكتاب وحده يكفل لك ملكة حسنة في الانتقاد الأدبي وقد كنت شديد الولوع به
ثم عليك بحفظ الكثير من ألفاظ كتاب نجعة الرائد لليازجي والألفاظ الكتابية للهمذاني، وبالمطالعة في كتاب يتيمة الدهر للثعالبي والعقد الفريد لابن عبد ربه وكتاب زهر الآداب الذي بهامشه
وأشير عليك بمجلتين تعنى بقراءتهما كل العناية (المقتطف والبيان). وحسبك (الجريدة) من الصحف اليومية، والصاعقة من الأسبوعية، ثم حسبك ما أشرت عليك به فإن فيه البلاغ كله. ولا تنس شرح ديوان الحماسة وكتاب نهج البلاغة فاحفظ منهما كثيراً ورأس هذا الأمر بل سر النجاح فيه أن تكون صبوراً وأن تعرف أن ما يستطيعه الرجل لا يستطيعه الطفل إلا متى صار رجلاً؛ وبعبارة صريحة إلا متى انتظر سنوات كثيرة