للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأسرة والمجتمع]

للأستاذ عباس محمود العقاد

كل ما يفصله الأستاذ علي عبد الواحد في كتابه عن (الأسرة والمجتمع)، أو في مقالاته بالرسالة يصلح لتقرير حقيقة واحدة وهي أن للمجتمع وآدابه شأناً في نظام الأسرة على اختلاف الأزمان والبيئات

وهي حقيقة لا حاجة لنا بها إلى كثرة الأدلة والأسانيد، لأن المجتمع قائم وقوانينه وعاداته قائمة كذلك، وليس في وسع أحد أن ينكرها أو ينكر أثرها في معيشة الأسرة ولا في معيشة الفرد حيث كان

إن الأسرة تتأثر بالمجتمع وعاداته وقوانينه، وهذا أمر بين بالبداهة كما هو بين بالمشاهدة العلمية، فلا ينكره أحد ولا يحتاج القول به إلى إسهاب في الأدلة والأسانيد، إلا إذا كان إثبات الأدلة والأسانيد من قبيل الإحصاء والتقرير

لكن الحقيقة التي نقررها نحن هي شيء آخر غير هذه الحقيقة، وهي أن الغريزة لها شأن في تكوين الأسرة، وأن المجتمع لا ينزع الغرائز نزعاً حين يتولى تنظيمها وتوجيهها إلى وجهاتها الكثيرة، وليس إثبات الآداب الاجتماعية بمنكر للغريزة ولا بمبطل لعملها في نشأة الأسرة ولا في نشأة الاجتماع نفسه وما يتفرع عليه من الآداب والقوانين

وقد يخالف المجتمع الغريزة في وجهته وغرضه، فلا يكون ذلك دليلاً على أن المجتمع وحده هو الموجود وأن وجهته وحدها هي المحسوبة، وإنما يكون دليلاً على وجود شيئين مختلفين، وأنهما على اختلافهما أو اتفاقهما لا يعملان منفردين

فإذا ناقشنا الأستاذ علي عبد الواحد في أمر الأسرة والغريزة فليس سبيله في مناقشتنا أن يثبت لنا وجود المجتمع وآدابه، فإن هذه الحقيقة في غنى عن الإثبات، ولا حاجة بأحد من علماء الاجتماع إلى إثبات وجود الاجتماع، وإنما سبيله أن يورد لنا الأدلة التي تمنع وجود الغريزة أو ظهور أثرها في نشأة الأسرة، وليس لعلماء الاجتماع دليل على ذلك فيما أوردوه أو استخلصوه من المشاهدة والإحصاء

فلا ريب أن حاجة الطفل الإنساني إلى الحضانة الطويلة لم يكن عملاً من أعمال الاجتماع، ولكنه عمل من أعمال الغريزة التي لا تختلف هنا أو هناك باختلاف قوانين الاجتماع

<<  <  ج:
ص:  >  >>