للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بين بدر وأحد:]

الفدائي الأول

للأستاذ عمر الخطيب

مد الليل جناحه وشمل الكون ظلام دامس. . . وتحرك الجيش الصغير في هدأة الليل وغمرة الظلام من المدينة يتقدمه القائد الأعظم (رسول الله) ومن ورائه أصحابه كالكواكب المتلالئة حول البدر المنير. . . ساروا وقد سبقهم الخيال إلى ماء (بدر) حيث يعسكر المشركون الذين تجمعوا ليحبطوا دين الله ويقتلوا رسول الله ويؤدبوا أصحابه (الصابئين). . . فاستحث القوم جيادهم وأسلسوا لها القياد، وقلوبهم تخفق شوقاً للجهاد، ونفوسهم ترقص طرباً بلقاء أعداء الله الذين آذوهم وأخرجوهم من ديارهم. . . ولم يكن أحب للمسلم إذ ذاك من خوض ساحات الشرف حيث يصول ويجول ويجندل الأقران ويصدع الشجعان، وقد آلى على نفسه أن يستشهد في سبيل العقيدة التي يؤمن بها، والمبدأ الذي ملك عليه لبه. . .

ولما كانوا (بعرق الظبية) استشار الرسول أصحابه، فأدلى أبو بكر وعمر برأيهما، وقام المقداد بن عمرو فقال: (يا رسول الله، امض لما أراك الله، فنحن معك، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أن وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون)!

وسكت الناس بعد أن استمعوا لمقالة المقداد، فقال رسول الله: أشيروا عليّ أيها الناس، وكان يريد بكلمته الأنصار الذين أعطوه موثقاً أن يؤازروه وينصروه ويمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم. . .

فقام صاحب رايتهم (سعد بن معاذ) وقال: لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل؛ فقال سعد: (لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهدنا ومواثيقنا. . . على السمع والطاعة، فامض لما أردت فنحن معك. . . فوالذي بعثك لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك وما تخلف منا رجل واحد. فتهلل وجه الرسول واطمأنت نفسه، ووثق من إخلاص الجند لقائدهم واستبسالهم في سبيل دينهم

جاء (أنس بن النضر)، وقد كان غائباً عن المدينة، فغدا إلى المسجد ليؤدي الفريضة خلف رسول الله ويستمع إلى حديثه العذب الجميل ويجتمع مع إخوانه الصادقين ليتدارسوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>