هذا إنذار أستحلف كل قارئ من قراء الرسالة في الشام أن يحدث به وينشره ثم يحفظه. . . فانه سيجيء يوم تضطره أحداثه أن يعود إليه فيقول:(يا ليته قد نفعنا هذا الإنذار، يا ليتنا. . . ويومئذ لا تنفع شيئا (ليت). . . إنها لا ترد ما ذهب، ولا ترجع ما فات!
وهذا أعذار إلى الله، ثم إلى كتاب التاريخ، لئلا يقولوا إنها لم ترتفع في دمشق صيحة إنكار لهذا المنكر، ولم يعل فيها صوت ناطق بحق. . . وإن كتابها وأدباؤها حضروا مولد سنة من (ألعن) سنن إبليس، فلم يقتلوها وليدة ضعيفة، وتركوها تكبر وتنمو حتى صارت طاعوناً جارفاً، حتى غدت ناراً آكلة، حتى استحالت داهية دهياء أيسر ما فيها الخسف والمسخ والهلاك. . . ونعوذ بالله من تذكير لا ينفع وإنذار لا يفيد!
وبعد فقد حدثني صديق لي فقال:
كنت أمس في مجلس، وكنا نتحدث فيما كان (يوم العرض) من (مناظر الكشافات. . . ومنظر الأسيرة. . . والعروس) حديث إنكار وأسف لما كان، ونعجب كيف جاز على رجال هذا العهد الوطني، وهم فيما نرى أهل الشهامة والمروءة والغيرة على الأعراض، وكان في المجلس الزعيم الجليل عضو مجلس النواب: إبراهيم بك هنانو، فرأيته يعرض عن هذا الحديث ويصرف عنه، وانقاد له الحاضرون فضربوا في أحاديث أخرى. . . فلما انفض المجلس خرجت معه، فعاد إلى يوم العرض وخبره، واختصني بهذا الحديث وأذن لي أن أنشره. . . .
قال رعاه الله: إنك لتعجب كيف تم هذا الخزي، وكيف مر على رجال هذا العهد الوطني فلم ينتبهوا له، وأنا أخبرك بسر ما تعجب منه وقعت عليه مصادفة. . . وذلك أني ذهبت قبل العرض بأيام في حاجة لي إلى منزل (فلان) الفرنسي، ومنزله في الميدان الذي يتقاطع فيه الشارعان الكبيران: شارع يوسف العظمة، وشارع كلية الهندسة، فوجدت المنزل كأنه خال، والمتاع مرصوص مربوط، فعل المتهيئ للسفر، وكان النور يسطع من شق باب غرفته، فهممت أن أدخل عليه، فسمعت كلاماً وحديثاً، فانتحيت ناحية أنتظر تمام الحديث،