يتربص الرجل أن تضع زوجه حملها ليتخير لوليدها احسن الأسماء، فإن كان من التقاة الهداة تيمن باسم من يرى فيه الأسوة الحسنة، والقدوة الطيبة، وان كان من الأثرياء أو السراة دارت بخلده أسماء الأغنياء والأشراف ينتقي منهم من يرى مسماه المثل فيما يستهويه، ولا احسب والدا أو والدة يختاران لوليدهما اسماً قبيحاً أو لقبا مستهجنا لا سيما والأسماء بغير ثمن، إلا إذا جاء ذلك ساعة دعابة أو مرح أو عقب واقعة أو حادث كأبي الشيص وخندف وثعلب وغيرها من الألقاب والكنى والأسماء.
وإذن فلم سمى أبو دعبل ابنه بهذا الاسم؟ ألأنه رأى فيه منة وصلابة؛ حتى انه ليشبه الناقة القوية الضارعة؟ أو لأنه لاحظ المنفعة والفائدة، فللناقة لدى العرب من الفوائد مالها، فهي عماد حياة العربي، كما إن الثور كان قديما رأس مال المصري. لعل أبا دعبل لاحظ الأمرين معا؛ فقد كان دعبل قوي الأسر طويل الجسم، ولا بد أن يكون قد توسم فيه سراوة طبع وصفاء ذهن، أو على الأقل هذا ما يراه كل والد في ولده متى أهل، فكرمه بهذا الاسم. ولقد وصف العرب الناقة ومنحوها من الصفات والنعوت ما أفعمت به أشعارهم، وهذه معلقة طرفة ابن العبد ابرز محاسنها وصف ناقته وصفا دقيقا في نحو ثلاثين بيتا، فلم يترك عضوا إلا أبدع في تصويره؛ فمن ذلك قوله يصف خدها وعينيها ولعلهما اقل أعضائها حسنا:
وخد كقرطاس الشآمي ومشفر ... كسبت اليماني قده لم يحرد
وننتقل من سبب تسميته إلى حياته ونشأته الشعرية التي تبين صفتيه اللتين سنتحدث عنهما.
ولد دعبل في العصر الذهبي لدولة بني العباس، فالملك ثابت الأساس موطد الاركان، لا يعرفون لبني أمية شأنا ولا يخافون من بني عليّ نقضاً، فالأولون قبع بعضهم في دورهم يبغون نجاة ويطلبون سلامة وأمناً، وبعضهم هجر جزيرة العرب، ونزح من المشرق إلى المغرب؛ فأسس ملكا وبنى دولة، وأما الآخرون فاكتفوا بتلك الإمامة الوهمية يتوارثونها