للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المقري مؤرخ الأندلس]

حياته وتراثه

للأستاذ محمد عبد الله عنان

- ١ -

عرفت المقري - صاحب نفح الطيب حدثاً، وشغفت بأثره الجامع عن الأندلس، وأعجبت بجهده الجلد، وأدبه الممتع، واستطعت بعد أعوام طويلة من البحث والتنقيب في تاريخ الأندلس، أن أدرك أهمية الشذور الضافية والوثائق الجمة، التي وقف عليها المقري في عصره، وألهم أن ينقلها إلينا في كتابه، ولولاه لغاضت مع مصادرها الأصيلة إلى الأبد، وحيل بيننا وبين الانتفاع بذلك التراث الحافل الذي يقدمه إلينا المقري في كتابيه نفح الطيب وأزهار الرياض

وقد خطر لي غير مرة أن أكتب ترجمة موجزة للمقري، وأن أستعرض مجهوده وتراثه؛ وأحسب الآن أن فرصة خاصة تعرض للوفاء بهذه المهمة، ذلك أني قد أزمعت - بعون الله - الرحلة إلى تلك الأندلس التي ملأت حياة المقري، وأذكت أدبه وبيانه، وأجرت قلمه أعواماً طوالا، وأزمعت أن أحج إلى تلك الربوع والمروج والمعالم التي أفاض المقري في وصفها، والتغني بمحاسنها الذاهبة، وآثار أطلالها الدارسة، والتي مازالت ذكرياتها قبل المقري وبعده تسيل عبرات التاريخ الإسلامي

هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد الشهير بالمقّري نسبة إلى مقّرة، موطن أسرته القديم، وهي بلدة من أعمال قسطنطينية، واليها ينتسب عدة من أدباء المغرب الأكابر. ولد، كما يحدثنا في مقدمة كتابه (نفح الطيب) بمدينة تلمسان ونشأ بها، ولم يذكر لنا تاريخ مولده، وهو تاريخ يضعه بعض الباحثين المحدثين في نحو سنة١٠٠٠ هـ (١٥٩١ - ١٥٩٣)؛ بيد أنه يلوح لنا من تتبع نشأة المقري وحوادث حياته حسبما يقصها علينا، أنه ولد قبل ذلك التاريخ بعدة أعوام، فهو أولاً يذكر لنا أنه (نشأ بتلمسان إلى أن رحل عنها في زمن الشبيبة إلى مدينة فاس سنة تسع وألف)، فلو كان مولده سنة١٠٠٠ لما تحدث هنا عن الشبيبة، إذ يكون عمره عندئذ تسعة أعوام فقط، أعني غلاماً حدثاً، وهو ما لا ينصرف إليه

<<  <  ج:
ص:  >  >>