العنوان الكامل لهذا السفر القيم (البحرية الإسلامية في شرق البحر المتوسط من القرن السابع إلى القرن العاشر بعد الميلاد)، ومنذ عامين قدم الدكتور علي محمد فهمي شتا المفتش في وزارة المعارف هذا الكتاب إلى جامعة لندن، رسالة نال بها الدكتوراه الفلسفية في مادة التاريخ. وفي مطالع هذا الصيف طبع الرسالة باللغة الإنجليزية، وهو الآن بسبيل إخراجه باللغة العربية لتتم به الفائدة. وكتاب البحرية الإسلامية يتضمن سردا وافيا للتنظيمات البحرية في شرق البحر المتوسط بين القرن الأول والقرن الرابع بعد الهجرة، ولا نحسب أن كاتبا من الكتاب طرق هذا الباب من قريب أو بعيد سوى في العربية أو في غيرها من اللغات.
ويؤيد هذا الزعم الذي ذهبنا إليه أن الأستاذ (وستنفلد) جزم في تقريره الذي قدمه إلى جامعة جوتنجن عام ١٨٨٠بإن أحد من الباحثين لم يطرق باب النشاط البحري عند المسلمين. وفي عام ١٩٤٦أكد الأستاذ جاتو هذه الحقيقة في مقال نشرته مجلة (ريفيو أفربكان) مشيرا إلى أن انعدام المراجع لم يغوي أحدا من الباحثين على التوغل في ذلك الميدان.
وكذلك ضل تاريخ البحرية الإسلامية مغلوفا في غلالات من النسيان، وبقى الباحثون عنه في تيه سر مدى، ودفن دقائقه مع المؤرخين الإسلاميين القدامى الذين غيبوا عنا من زمن بعيد.
وقد وقفنا طويلا نتساءل عن سر اهتمام رجل مثل الدكتور شتى - وهو من رجال التعليم - بالمسائل البحرية، هذا الاهتمام الذي تجلى في كل سطر من سطور كتابات النفيس، وماله لم يلق هذا العبء على غيره من رجال البحر المثقفين عندنا؟ ثم عدنا نجيب بأن مرد ذلك إنما يرجع في الأكثر إلى العقل الباطن في المؤلف فهو من أسرة سكندرية عريقة، وأنه ليرى في مراحه ومغداه المنشآت في البحر كالأعلام، فينبع السؤال من قلبه: كيف نشأت؟ وكيف كانت؟ ثم كانت رسالته العلمية جوابا على خمسة فصول يبحث أولها في