للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نظام العالم ونظام الدول]

للأستاذ طنطاوي جوهري

الحفل والجامع الأزهر

نشأت في قريتنا كفر عوض الله حجازي من أعمال مديرية الشرقية - شاركت أسرتنا في أعمالها الزراعية - كان لهذه الأسرة الكبيرة اتصال حميد بعلماء الجامع الأزهر يغدون ويروحون كل عام على سراة الأسرة وأكابر القرية، وأكابر بلدة (الغار) التي فيها أسرة أخوال والدتي، فأثر ذلك كله في المرحوم والدي، فأرسلني إلى كتاب في بلدة الغار وفيها جدتي لأمي، فحفظته بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير. ثم أرسلني مع أقاربي إلى الجامع الأزهر لأكون كهؤلاء العلماء، ويكون لي عمود بالجامع الأزهر مثلهم. درست علومه. هنالك أصبحت السنة مقسمة بين دراستين: دراسة أزهرية، ودراسة حقلية. ذلك أني سمعت في علم التوحيد أن العالم منظم - يا سبحان الله، لا علم عندي، لا كتاب يهديني، لا مرشد يرشدني؛ للقوة السلطان الأعظم، ظلم مخيم، جهل فاضح، فأين نظام العالم؟ أخذت أصوم النهار، وأقوم بالليل، وأسأل صانع العالم أن يهديني. أخذت أدرس الشمس والسحاب والحجر والشجر والزهر والزرع نهاراً، وأدرس النجوم والقمر وأتأمل ذلك الجمال البديع في ظلمات الليل المدلهمات. وأخذت أقول: لعل وراء هذا الجمال حكما وعلموماً، ففي النهار جمال، وفي الليل جمال. فما أسبابه ونظامه؟ حائر، حائر!

دار العلوم بعد الأزهر والحفل.

لم يكن ليخطر لي أن في العالم حكمة وفلسفة تكشف اللثام عن هذا الوجود، كلا ولكن بعد اللتيا والتي أخذت أدرس الفلسفة القديمة بحذافيرها ولكني بعد ذلك لم أزل في موقفي الأول. أريد أن أفهم حقلنا الذي نزرع فيه القطن والقمح والذرة والبرسيم. هل هذه الأرض وما فوقها هي التي تحوي المواد الصالحة للبسنا وأغذيتنا وأغذية الحيوان؟ وأخيراً ما هذه الطيور الجميلة المغردة المنعشة للفلاح في حقله؟ وأخيراً ما هذا الجمال؟ الجمال هو الذي أخذ بلبي وأرقني ليلاً بنظراتي في النجوم، وأبهج قلبي نهاراً بنظراتي في الأشجار والزروع والأزهار.

<<  <  ج:
ص:  >  >>