إذا عرفت الجوهر الذي يتحقق به الجمال الطبيعي سهل عليك أن تعرف الجوهر الذي يقوم عليه الجمال الصناعي، لأنه إما وحيه وإما نموذجه. فالجمال الصناعي يتعلق بالفكرة التي يوحيها إليك الفن عن الفنان ثم عن الفن نفسه إذا كان ابتكارياً، وبالفكرة التي يوحيها إليك الفن عن الفن نفسه وعن الفنان ثم عن الطبيعة إذا كان تقليديا. ولننظر بادئ الأمر فيم تنشأ منه عاطفة الجمال في الفن الابتكاري كالريازة مثلا. ففي أي بنية من البنايا تجد الوحدة، والتنوع، والترتيب، والتناظر، والتناسب، والتوافق، تؤلف منها كلاًّ منتظما ما في ذلك شك؛ ولكنك لا تجد في ذلك الكل جمالا إذا لم يكن من العظمة أو الوفرة أو الذكاء على درجة تثير في نفسك الإعجاب والدهش. وهل تجد في العمارة البسيطة مهما اتسق بناؤها واتفقت أجزاؤها ما تجد في معابد الفراعين من الجمال والجلال والروعة؟ خذ بنظرك قصراً من قصور القاهرة الحديثة شيد على قدر عادي من العناصر الجمالية الثلاثة، ثم أطل الوقوف أمامه ما شئت، تجد الفن فيه نازلا على حكم القواعد الموضوعة، ولكنه عيي صامت لا يحدثك لا عن نفسه ولا عن صانعه؛ ثم قف تلك الوقفة أمام معبد الكرنك أو هيكل الأقصر أو هرم الجيزة، تجد نفسك المسبوهة المشدوهة موزعة بين سمو الفن في ذاته، وعظمة الفنان في حقيقته. لا جرم أن هذه الأبنية الضخمة الفخمة أقل تناسقاً وتوافقاً من تلك، ولكن القوة التي أقامت هذه الأعمدة، ورفعت تلك الصخور، ونصبت هذه التماثيل، وصنعت تلك المحاريب؛ والوفرة التي تراها في الشكول المختلفة، والصور الناطقة، والرسوم الدقيقة، والكتابة الرمزية، والأصباغ الحية، والمادة العجيبة؛ والذكاء الذي يروعك في ابتكار الوسائل الميكانيكية لنقل هذه الأجرام الهائلة من مناحتها في الجبل، إلى مثابتها في الجو، لتصارع الفناء الذي لا يفتر، وتضارع الدهر الذي لا يبيد؛ هي التي حققت فيها ذلك الجمال، وألقت عليها هذه الروعة، وربطت في ذهنك بين فكرتك عن الصنيع وفكرتك عن الصانع. ولو كانت نسبة الذكاء فيها على مقدار نسبة القوة، لبلغت ما لم تبلغه نواطح السحاب الأمريكية من الغاية التي ينقطع دونها الدرك!
على أن الجمال الطبيعي قد يقوم في بعض مظاهره على القوة والوفرة دون الذكاء، كما