وهنالك علاقته مع المرأة تبدي ناحية من نواحي نفسه، فقد زعم أناس إن نيتشه كان يذهب مع المرأة مذهب معلمه (شوينهاور) كاره المرأة، ويستشهدون على ذلك بقوله:(أيها الذاهب إلى المرأة! لا تنس عصاك وسوطك) ولكن هذا الحكم يسهل نقضه على المدقق في تعاليم نيتشه، فالمرأة التي طعنها نيتشه في الصميم هي المرأة المترجّلة التي تريد أن تزاحم الرجل في علمه وجهاده واقتصاده، أما غير هذه المرأة فهو مقدر لها محترم لفضلها، مقدس لمعنى المرأة فيها؛ ولقد كان له من هنّ صديقات وصاحبات فضليات، وهو - وإن لم يتذوّق من امرأة ذلك الهوى العاصف والحب اللاعج فقد تذوّق عطفها الرقيق وعاطفتها الخالصة. وقد ذكرت شقيقته في مذكراتها (إن أخاها كان يجهل الحب العادي. . . وإنما كان همه الشاغل له التفتيش عن الحقيقة). على إن هذا الفيلسوف السئم (المنطوي على نفسه) الذي لم يستسلم للأهواء المصطخبة والميول الملتهبة، قد تذوّق في أيام نكبته من عطف المرأة ما لم ينعم بمثله إلا قليل. . . فهو صاحب مثل أعلى في الحب كما كان في الصداقة
وهنالك نشأته المدرسية فقد دلّت على طبعه (الأرستقراطي) الذي ينفر من كل شيء مبتذل شائع، ولا يميل إلا إلى كل جميل لامع، وطبعه هذا هو الذي حمله على اعتزال رفاقه الذين يدرسون معه، وذوقه هذا الجانح إلى محبة الأشكال الجميلة هفا به إلى عشق الجمال القديم وحب العبقرية الفرنسية الغابرة والحاضرة. ونفوره هذا من السوقة والعامة جعله ينفر من المسيحية، ويصفها ويصف أصحابها ورسلها وصفاً قاسياً، ويكره كل المبادئ التي تبشّر بها الديمقراطية والإنسانية الاشتراكية. وكل تعاليمه الأخلاقية إنما تؤول إلى هذه الغاية:(هل هذه العاطفة شريفة أو غير شريفة؟) ولعلّ نيتشه كان يمثّل نفسه الجبارة في