للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[على حد منكب]

للأستاذ محمود محمد شاكر

قلت قديماً في الرسالة إن الشيخ إبراهيم اليازجي ومن لف لفه كالمعلم الشرتوني، هم أصحاب حشد وتخليط في جمع اللغة. وآفة الحشد والاستكثار ترك التبصر ومجافاة التمحيص. ثم يأتي الناس بعد ذلك فيأخذون هذا الحشد على ثقة وأمن، فتزداد بلبلة الناس في شأن اللغة. فما كل أحد يصبر على تتبع الكلام المبعثر في الشعر والنثر، ثم جمعه وتأليفه، ثم النظر في أصوله ومبانيه، ثم تمحيص المعاني المختلطة ورد كل قرينة منها إلى أختها.

وقد قرأت في عدد الرسالة (٩٠٨) ما نقله الأستاذ محمود أبو ريه من كتاب نجمة الرائد لليازجي: (هو منه على حد منكب: أي منحرف عنه دائم الإعراض) وما عقبت به الرسالة من قول أقرب الموارد: (وفلان معي على حد منكب: أي كلما رآني التوى ولم يتلقني بوجهه، وهو كقولهم: فلان يلقاني على حرف). وأستطيع أن أوسع لليازجي والشرتوني في هذا الموضع مكان العذر، فقد نقلا، ولكنهما لم ينخلا الكلام ولم يمحصاه. والذي أوقعهما في هذا الوهم، هو حب الاستكثار، ثم اطمئنانهما إلى شيخ قديم كان من أئمة العربية، ولكنه كان أيضاً عريض الدعوى، جريئاً على التوهم، كثير التخليط في اجتهاده، بل كان يدلس فيما يكتب، إذ كان يأتي بالشيء يوهمك أنه مما نقله عن الرواة قبله، وهو في الحقيقة مما اخترعه بسوء رأيه وقلة معرفته بغامض كلام العرب - ولا أعني غريبه -، فهو كان قيما بالغريب حفظاً ونقلا. وهذا الشيخ القديم هو الخطيب التبريزي شارح الحماسة. ويدل شرحه للحماسة على ما ذكرت من صفته، وعلى شيء آخر، هو ضعفه الشديد في فهم دقائق الشعر العربي. ثم على شيء آخر أيضاً، هو أنه مشغول بالنحو وما إليه وبالأغراب في بيان وجوهه المختلفة. وهذه الكلمة التي نقلها اليازجي والشرتوني عنه، هو صاحبها، وهو مدعي هذا المعنى لها، ولم ترد في شعر قديم، ولا نثر معروف، على الوجه الذي توهمه التبريزي واحتال له. وإنما أتى الشيخ من سوء فهمه لما تولى شرحه من شعر الحماسة.

جاءت الكلمة في شعر للبعيث بن حريث بن جابر الحنفي، أحد بني الدؤل بن حنيفة بن

<<  <  ج:
ص:  >  >>