للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[شخصيات عباسية]

جحظة المغني الشاعر

٢٢٤ - ٣٢٤هـ

للشيخ محمد رجب البيومي

(تتمة ما نشر في العدد الماضي)

لم يكلف جحظة بالطعام وحدة بل كان كلفه بالشراب موضع الغرابة حتى تلاشت بجانبه الشهوة إلى المأكل في أواخر شبابه فهو يقول:

قد قلل الإدمان أكلي فما ... أطعم زاداً قيس أبهام

فالحمد لله وشكراً له ... قد صرت من بائد اقوام

قوماً ترى أولادهم بينهم ... للجوع في حلة أيتام

وقد حدا به الإدمان الفاحش إلى التردد إلى الديارات المنتشرة في بغداد وضواحيها المتقابلة، فأخذ الراية من أبي نواس، ووكل إلى نفسه الدعاية البارعة إلى ما في الأديرة من متع وملاذ، وأصبح شعره في هذا الموضوع وسيلة كبيرة من وسائل التعريف بما هناك. وأنت ترى الشابشتي وياقوت والعمري وجميع من كتبوا في هذه الناحية يروحون عن قرائهم بقصائد جحظة، والواقع أن الديارات كانت فتنة كبيرة من فتن الشيطان، فهي تقام بين الحدائق والبساتين وبها من العذارى الراهبات ما يستخف الوقور؛ والغريب أن خلفاء المسلمين كانوا يؤمونها مع الشعراء والماجنين، وأي إنسان يرى نفسه في حديقة مورقة، وعن يمينه ثم لا يقدم على انتهاك الحرم في هذا الجو الإباحي الخلاب، واليك ما وصف به جحظة دير الزندورد لتقف على ما بهذه الأماكن من مغريات جاذبات:

سقيا ورعيا لدير الزندورد وما ... يحوي ويجمع من راح وريحان

دير تدور به الأقداح مترعة ... من كاف ساق مريض الطرف وسنان

فالعود يتبعه ناي يوافقه ... والشدو يحكمه غصن من البان

والقوم فوضى ترى هذا يقبل ذا ... وذاك إنسان سوء فوق إنسان

هذا ودجلة للرائين معترض ... والطير إنسان يدعو هديلا بين أغصان

<<  <  ج:
ص:  >  >>