كل منا يلتمس لنفسه الخير ويبذل في ذلك وسعه، وكلنا يزعم أنه برّ بأمته حفي بها، فهو لا يألو جهدا في القيام بالواجب في عمله، وبما يعود على أمته بالسعادة والرفعة. فلِمَ إذا لا يجد المرء أنى تلفت إلا من يندب شقاوة الجد، وخسارة الأمس، واليأس من الغد؟ وليس حال الجماعات بأهون من حال الأفراد. هؤلاء المزارعون يشكون عدم البركة وفتك حشرات الأرض بخيراتها، والمعنون بالشؤون العامة يحز في نفوسهم تفكك وحدة الأمة وتعثرها في طريقها. لماذا هذه الظاهرة التي تدعو للرثاء، وليس منا إلا من يزعم أنه البار بأمته العامل لخيرها؟ في رأيي أن مرد ذلك كله أمران: أحدهما علة شقاء الأفراد، والآخر علة شقاء الأمة
يصبح الواحد ولا هم له إلا الألم اللاذع لما يرى أنه فاته في أمسه، والتفكير المرمض فيما قد لا يكون في غده، فيصرفه ذلك عن تذوق ما في حاضره من لذة وسعادة. تجد هذا الفلاح دائم الحسرة موصول الألم لأنه لم يبع قطنه بأربعة جنيهات كما باعه جاره، والتلميذ دائم الهم خشية ألا يجد عملا متى فرغ من دراسته، وهكذا إذا تقصيت أحوال الناس جميعا، تجد الأسى على الماضي والخشية من الغد، يفوتان علينا التنعم بالحياة وما تفيضه من هناءة وسرور. ليعمل الواحد منا واجبه، وليطرح الأسى الفارغ على الذاهب، والخشية المبالغة من الآني، وأنا كفيل بأنه سيجد برد السعادة. (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير؛ لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم). هل رد الأسى نعيما ذهب؟ وهل يرد الألم مقدما للمستقبل ما قد يجيء به من محنة؟ اللهم لا. إذا فلم يعمل الإنسان بنفسه لشقائه وتكدير أيامه؟
من المأثور عن إبيكتيت الرواقي أنه كان يوصي بأن يتعرف المرء ما يتعلق به من الأعمال فيعمله على أكمل وجوهه، وما هو لله فيتركه له. للإنسان أن يسعى لغرضه في شرف ونبل أو في غش ودس، كل ذلك ممكن، فليمض إذا قدما لغرضيه في شرف ونبل وليس له أن تذهب نفسه حسرات إن حيل بينه وبين إدراك ما يريد إذا بذل ما في طوقه،