رأيت أن مجيء عبد الله بن سبأ إلى البصرة ونزوله على بين عبد القيس إنما كان على زعم (يزيد الفقعسي) في السنة الثالثة من حكم عبد الله بن عامر الذي ولى إمارة البصرة في عام ٢٩ للهجرة. أي في سنة ٣٢ - ٣٣ للهجرة. وإنه نزل على حكيم ابن جبلة، ويزعم صاحب هذا الحديث الذي دونه الطبري أنه، أي حكيم بن جبلة كان من أشرار الناس ومن مشاهير قطاع الطرق وأنه كان يذهب إلى أرض فارس (فيغير على أهل الذمة ويتنكر لهم ويفسد في الأرض ويصيب من يشاء ثم يرجع. فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان بن عفان فكتب إلى عبد الله بن عامر أن احبسه؛ ومن كان مثله، فلا يخرجن من البصرة حتى تأنسوا منه رشداً. فحبسه، فكان لا يستطيع أن يخرج منها) وقد كان (حكيم بن جبلة) من الناقمين والمشاغبين على الحكومة، وكان على رأس الجماعة التي ذهبت إلى المدينة واشتركت في الفتنة المؤسفة التي أدت إلى استشهاد الخليفة، وكان قد أظهر أنه يريد الحج، وكان في الواقع على اتفاق مع سائر المشاغبين وعلى اتصال محكم بمشاغبي الكوفة وأهل مصر.
ولست أزعم لك أن نزول عبد الله بن سبأ في دار هذا اللص المشاغب كان حقاً، ولست أزعم لك أيضاً أن ذلك كان باطلاً؛ ولكني لا أبيح لك سراً أن قلت لك بأني غير مطمئن إلى هذا الحديث الذي يرويه (يزيد الفقعسي) ولا إلى أكثر أحاديث هذا الراوية. لقد كان هوى (ابن جبلة) وجماعته من أهل البصرة مع (طلحة) فلم اختار ابن سبأ النزول على هذا الرجل من بين سائر رجال البصرة. وقد كان هواه مع علي. وقد كان في البصرة أناس يميلون إلى علي أيضاً، والذي أنزل هذا الرجل على (حكيم بن جبلة) في نظري هو (يزيد) نفسه صاحب هذا الحديث لغرض سينجلي لك فيما بعد.
لم يتحدث الطبري عن نشاط عبد الله بن سبأ في البصرة ولا عن الفتنة التي أثارها في جنوب العراق. وكل ما قاله أن الوالي بعد ما سمع بخبر هذا الذمي (الذي رغب في الإسلام ورغب في جوار ابن عامر) قال له (أخرج عني، فخرج حتى أتى الكوفة فأخرج منها