ولم يتحدث الطبري ولا غيره عن نشاط هذا الذمي في الكوفة. والظاهر من كلامه أن إقامته بها كانت قصيرة، وأنه لم يحصل على النتائج التي كان يريدها من هذا البلد، فسافر إلى الشام. ولا ندري بالطبع متى وصل الشام، والذي نستطيع أن نقوله أبه بلغ مقر (معاوية بن أبي سفيان) بعد خروجه من الكوفة، وأن ذلك كان بعد سنة ٣٢ - ٣٣ للهجرة.
ويدعي الطبري استناداً على أقوال (يزيد الفقعسي) أيضاً أنه
(لما ورد ابن السوداء لقى أبا ذر، ألا تعجب إلى معاوية يقول: المال مال الله؛ ألا إن كل شئ لله؟ كأنه يريد أن يحتجه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين) فتأثر أبو ذر من مقالته وذهب إلى معاوية فقال: (ما يدعوك إلى أن تسمى مال المسلمين مال الله؟ قال: يرحمك الله يا أبا ذر، ألسنا عباد الله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره؟ قال تقله. قال فإني لا أقول إنه ليس لله، ولكن سأقول مال المسلمين)
وخرج أبو ذر مغضباً من معاوية غير مقتنع بقوله، وصار ينادي في أهل الشام ويقول:(يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء. بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذاك وأوجبوه على الأغنياء، وحتى شكا الأغنياء، ما يلقون من الناس، فكتب معاوية إلى عثمان أن أبا ذر قد أعضل بي، وقد كان من أمره كيت وكيت. فكتب إليه عثمان أن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينها، فلم يبق إلا أن تشب فلا تنكا القرح. وجهز أبا ذر إليَّ وابعث معه دليلاً وزوده وارفق به وكفكف الناس ونفسك ما استطعت، فإنما تمسك ما استمسكت. فبعث بأبي ذر ومعه دليل)
وذهب (ابن سبأ) وهو بالشام إلى رجل آخر توسم فيه الانقياد والإذعان لمقالته بسهولة، وهذا الرجل هو (أبو الدرداء) وتحدث إليه بالحديث الذي ذكره لأبي ذر محاولاً إغراءه غير أن (أبا الدرداء) كان حذراً ذكياً فقال له (من أنت؟ أظنك والله يهوديا) فأتى عبادة نب الصامت وأظهر له نفس المقالة (فتعلق به فأني به معاوية فقال: هذا والله الذي بعث عليك أبا ذر).
فيظهر من حديث (يزيدالفقعسي) الذي حكاه الطبري عن طريق (سيف) أن نداء (أبي ذر)