في صيف سنة ١٩٣٣ خرج الدكتور حسين فوزي مدير معهد الأبحاث المائية في بعثة من رجال العلم الأوربيين للاستكشاف ودراسة الأحياء المائية في البحر الأحمر والمحيط الهندي؛ وقضت البعثة في تجوالها تسعة أشهر ثم عادت، وكان من نتائج هذه الرحلة كتاب سندباد عصري. . .
ولكن كتاب (سندباد عصري) لا يتحدث عن هذه الرحلة حديثاً علمياً؛ إذ كان مؤلفه قد لخص أبحاثه العلمية ونتائجها في تقرير قرره من قبل؛ ثم أنشأ هذا الكتاب من بعد، ليقص به قصة هذه الرحلة كما هي في شعوره وفكره ووجدانه، بعيدة عن العلم ونظرياته وأبحاثه ونتائجه. على أنها ليست قصة بمعنى القصة تبدأ بدأها وتنتهي إلى نهايتها؛ ولكنها خواطر وصور ومشاهدات مما أجتمع للمؤلف في رحلته: مما وقع عليه نظره، أو انفعلت به نفسه، أو انطبع في وجدانه، أو بعث في نفسه معنى من معاني الفن أو الشعر أو الجمال. فصول مفرقة هي خفقات قلبه، ونبضات روحه، وخلجات نفسه، وصورة من إحساسه وعواطفه في هذه الرحلة منذ بدأت إلى أن انتهت
وقد قسم المؤلف كتابه إلى مقدمة وأربعة أبواب: الباب الأول عبث وفكاهة، والثاني صور ومشاهدات، والثالث جد ودراسة ورأي، والرابع عواطف ومشاعر وخيال وفن؛ وتحت كل باب من هذه الأبواب فصول عدة، يتحدث كل فصل منها عن موضوع بذاته، ليس بينه وبين سابقه أو لاحقه صلة، إلا الصلة التي جمعت بين كل هذه المشاهد تحت عيني كاتب فنان له روح وعاطفة وفي نفسه شعر وفن.
على أن ما يحكيه المؤلف أو يتحدث عنه في هذه الفصول ليس هو مشاهداتٍ صامتة كبعض ما يصف الرحالون والرواد، ولكنها حكاية نفس رأت فتأثرت فألقت ظلالها وألوانها وعواطفها على ما رأته؛ فما يصف المؤلف مشاهداته، ولكنه يصف نفسه في مشاهداته؛