القراءة والكتابة هما أقوم السبل للتحصيل والمعرفة. وجاء عمل النبي صلى الله عليه وسلم من افتداء أسرى بدر بتعليم عشرة من أبناء المسلمين إشارة حكيمة إلى فائدة الكتابة وأثرها في كسب المعرفة، وعلى الأخص القرآن الكريم، مما يؤدي إلى تثبيت الدين والعمل على انتشاره.
ثم اقتضى نظام العمران بعد انتشار الإسلام واستتباب أمره في البلاد المختلفة شرقاً وغرباً، إلى ظهور الكتاتيب لتعليم الصبيان القرآن والكتابة والقراءة وبعض النحو والعربية. وتناول معلم الكتاب الأجر نظير انقطاعه لهذا العمل بعد أن كان التعليم في صدر الإسلام تطوعاً واحتساباً.
وظهور الكتاتيب الإسلامية أثر من آثار الإسلام اقتضته ضرورة الدين الجديد الذي يخاطب الناس كافة لا يقتصر على طبقة دون طبقة، ولا يفرق بين الأغنياء والفقراء، أو الأمراء والدهماء.
وكان الغرض الأول من التعليم دينياً خالصاً من شوائب الأهداف المادية التي تفسد على الناس أمورهم وتؤدي إلى الاضطراب والتنازع والفساد.
وقد سار الأمر في مكافحة الأمية مع الروح الأولى الإسلامية تلك الروح المتدفقة القوية، يصحبها العزم والإيثار والتطوع لتعليم الصغار والكبار. وليس في القرآن نص على إلزام التعليم ولم يوجب الحديث ذلك. جاء في الصحيح:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه). وهو أقوى ما يؤثر عن الرسول بصدد التعلم والتعليم. وهذا الحديث يجعل من تعلم القرآن فضيلة ولا يرتفع بها إلى مرتبة الواجبات
وقد بحث أحد علماء المسلمين هذا الموضوع، أي مكافحة الأمية، إلى أن انتهى إلى القول بها. ذلك العالم هو أبو الحسن القابسي المتوفي سنة ٤٠٣ هجرية، في كتابه (المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين). قال إن الوالد مكلف بتعليم ابنه القرآن والدين، وحيث أن الوالد مشغول بتحصيل المعاش، فلا بأس أن يحمل عنه معلم الكتاب مؤونة التعليم بالأجر. وإذا مات الوالد فليبعث بالصبي إلى الكتاب وصيه إن كان للصبي