نقصد بالعمالية الفكرية نشوء طبقة اجتماعية جديدة ينزل قيها المشتغلون بالمسائل العقلية منزلة العمال بما لهم من حقوق ومطالب ومشكلات على نحو ما شاهد النصف الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بالنسبة للعمال اليدويين، وبخاصة عمال الصناعة؛ وتلك مشكلة ستتمخض عنها الحرب بعد أن مهدت لها الحرب السابقة. ولفهمها لا بد من إلقاء نظرة عابرة على قيمة العمل الإنساني خلال التاريخ، وتطور تلك القيمة إلى يومنا هذا.
في العصور القديمة كان العمل من اختصاص العبيد، وأما المواطنون فكانوا يرون عاراَ أن يزاول أحدهم بنفسه زراعة أو صناعة، ولقد أثقلت هذه النظرة تاريخ الإنسانية، وجاهد المفكرون وطلائع البشر في رفع هذا الثقل قروناً طوالاَ، بالرغم من أن الإنسانية قد اجتمعت كلمتها على إلغاء الرق؛ فأنه لا يزال العمل ينظر إليه إلى اليوم نظرة لا تتفق مع قيمته الحقيقية من حيث أنه منبع الثروة الوحيد. ومن غريب الأمر أن قدماء الإغريق أنفسهم قد فطنوا إلى قيمة العمل، فجسمها أرسطوفانيس المؤلف الكوميدي الشهير في رواية رائعة هي بلوتس - إله الذهب وهذا إله أعمى قالوا إن الآثينيين ضرعوا إلى الإله الطبيب أيسكيلاب أن يشفيه من عماه فيقيم بمدينتهم اعترافاً بالجميل؛ وهذا ما كان. واستوطن الإله بآثينا، وإذا بالسماء تمطر الذهب حتى غصت به الطرق والحارات، وأمسك جميع السكان عن العمل اكتفاء بهذا الذهب الوفير يغرفون منه لقضاء حاجاتهم. ولكنهم لم يلبثوا بعد أيام أن رأوا المنتجات تنفد، وإذا بهم يتضورون جوعاً والذهب تحت أرجلهم. وهال عقلائهم الأمر، فخفوا إلى الإله الطبيب يرجونه أن يسكب في عين إله الذهب ما يذهب ببصره ثانية، حتى يستطيعوا آسفين معتذرين أن يقودوه خارج مدينتهم لترتفع عنهم تلك المحنة القاسية، محنة الذهب، ويعودوا إلى نشاطهم المثمر، يعودوا إلى الكد وعرق الجبين الذي ينتج من الخيرات ما يشبع حاجاتهم الحيوية، هذا ما رآه الإغريق القدماء، أما رآه أحد كبار مفكريهم، ومع ذلك ظل العمل من اختصاص الرقيق، ولم يستطع أن يتمتع بما له من واجب الاحترام، بل التقديس، وهذا أمر بديهي، فأنت تستطيع أن تملأ خزائنك بالمال،