وتترك هذا المال بالخزائن طوال السنين، ثم ترى أنه لم تنتج شيئاً، وإنما المنتج كد الرجال
وفي خلال القرون الوسطى لم يتغير الموقف، فكان الرجال ملحقين بالأرض، تنتقل ملكيتهم بانتقالها من يد إلى يد. ولم يتحرر البشر إلى حد ما إلا عندما أخذت المدن تتكون وتنشا بها طبقات اجتماعية جديدة من الصناع والتجار. ومن المعلوم أن نشأة هذه المدن هي التي مهدت السبيل لمناهضة أمراء الإقطاع، والقضاء على نفوذهم القاسي، وقد اعتمد عليها الملوك في انتزاع السلطة من يد المراء وتوحيد الممالك. وفي مقابل ذلك كان الملوك يمنحون تلك المدن وثائق بها كثير من مبادئ التحرر السياسي والاقتصادي. ومع هذا فإن الحريات التي أعطيت للمدن لم يصب العامل منها إلا خيراَ يسيراَ، وذلك لأن رق الإقطاع قد قابله في المدن تكوين اتحادات عمالية كانت لرؤسائها على أفراد العمال حقوق ثقيلة. وفي الحق إنه لم يكن بد لكي يسترد العمل كرامته من أن تظهر الشخصية البشرية أولاً في الهيئة الاجتماعية، ويسلم لها باستقلالها الذاتي لتستطيع بعد ذلك أن تنضم إلى اتحاد أو نقابة راضية مستنيرة. وتحرير الشخصية البشرية من رق المجموع هو الكسب العظيم الذي كسبته الإنسانية في عصر النهضة الذي وضع حداً للقرون الوسطى. فمنذ ذلك العصر نستطيع أن نقول إن فجر الإنسانية قد تنفس
ثم اخذ المفكرون يبحثون في منابع الثروة ووسائل الإنتاج، وعلاقة الإنسان بكل ذلك. ولما كانت الصناعات لم تنشأ بعد، فقد رأى الباحثون في الاقتصاد عندئذ أن الزراعة هي المصدر الوحيد للثروة، وأما الصناعة فما هي إلا تحويل للمواد الأولية التي تنتجها الزراعة، فهي لا تخلق جديداَ، والتجارة ليست إلا نقلاً للمنتجات
وجاء القرن التاسع عشر باختراعاته العظيمة وأخذت الصناعات تنشأ، ففطن المفكرون إلى أن الإنتاج الاقتصادي ليس تكوين شيء من العدم، والعدم لا ينتج شيئاً، وإنما هو خلق لقيم اقتصادية جديدة، ومقدرة على إشباع الحاجات الإنسانية المختلفة؛ فالمادة الأولية بتحويلها تصبح قيماً جديدة وتشبع حاجات جديدة، وأنث كذلك إذا نقلتها من مكان لا يحتاجها فيه أحد إلى مكان تطلب فيه تعطيها قيمة جديدة أيضاً. وهكذا دخلت الصناعة والتجارة في ميدان الإنتاج، وكان في المناقشات التي دارت حول منابع الثروة وإنتاجها ما انتهى بالمفكرين إلى تقدير العمل الإنساني. ولكن التقدير شيء، والتسليم بحقوق هذا العمل شيء آخر؛ ثم إنه