للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[٢ - أمم حائرة]

طغيان المادة وضعف الروح

لصاحب العزة الدكتور عبد الوهاب عزام بك

وزير مصر المفوض بجدة

كشف العقل أسرار الطبيعة فاخترع عجائب العلوم والفنون والصناعات، وغير تاريخ البشر كله. واهتدى الناس إلى سنن للحكومات، ونظم للجماعات، ضبطت كل شيء بالنظام والقانون. وعرفوا من قوانين الصحة ما عصمهم من كثير من الأوبئة والعلل، وافتنوا في عمران البلاد، وتعبيد الطرق، وتشيد المساكن، وذللوا كل صعب، وقربوا كل بعيد بفنون الهندسة وغيرها. وابتكروا في الملابس والزينة ما ابتكروا. وتهيأ لهم من أسباب الحضارة ووسائل الرفاهية ما لا يحتاج إلى بيان، فهو ملء الأسماع والأبصار.

ولكن الأنفس لم تساير العقول، والرقى الروحي لم يدرك الرقى الحسي، وليس عجيبا أن يسمو العقل، ويتسع العلم، ولا تسمو النفوس، وأن تتقدم الأفكار ولا تتقدم الأخلاق، فتصرف العقل أكثره في أمور خارجة عن نفس الإنسان، وإدراكه يجول في عالم الطبيعة. وهو في بحثه لا يفرق بين الإنسان وغيره، ولا يبالي بالخير والشر. فمقاصد العلم تتحقق بكشف الكهرباء - مثلا - وضبط قوانينها وتسخيرها. وسواء بعد هذا استعمال الكهرباء للإضاءة، أو المداواة، أو استعمالها للقتل والتدمير.

إلى العلم ترجع الحضارة الصناعية القائمة على قوانين الطبيعة والخارجة عن نفس الإنسان. وأما النفس الإنسانية وملكاتها وحالاتها ونزعاتها، فأمور وراء هذا كله وهى حقيقة الإنسانية.

وهى التي تدرك الجمال والقبح، وتميز ببين الخير والشر، وتقبل على الفضيلة، وتنفر من الرذيلة.

وهى مناط الأخلاق والعواطف والفضائل والرذائل، وإلى هؤلاء ترجع الحضارة الإنسانية وما يتصل بها من آداب وسنن ومادات ونحوها.

وبهذه تقدم الإنسانية، وبها يكون تقدمها الحق وتخلفها وعلوها أو شغولها. ومن أجل أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>