للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[موقف الفكر العربي من الحضارة الغربية]

لحضرة صاحب العزة الدكتور أحمد زكي بك

(تتمة)

المساواة في الأصول:

ومن المساواة، المساواة في الأصول؛ أو المساواة رغم الأصول. والمساواة رغم الأصول صرخة في الناس قديمة؛ وهي صرخة في الشعوب العربية قديمة معروفة، بل هي لم تحتج في العرب إلى صراخ؛ ذلك أن هذه المساواة في طبعهم، وهي مستمدة من بدوهم، فالنبي: يا محمد، والخليفة: يا أبا بكر ويا عمر. لم يكن فيهم صاحب العزة أو صاحب النيافة أو صاحب الفضيلة. كانت العزة فيهم وكانت الفضيلة أصلا، فهي لا تحتاج إلى تنويه. وكانت مدارسهم مساجد مفتحة الأبواب لكل طالب، فلم تكن فيهم أكسفورد ولا كمبردج. وكان أصل المرء لا يقف به دون أن يصل إلى أسمى المراتب. فالمجوسي بل من كان أبوه مجوسيا يصل إلى أكبر مراكز الدولة؛ ومن ذلك البرامكة. وبائع الحرير يوجه همه إلى الشريعة فيبلغ بها عند الناس المكان الأرفع، فيحترمونه ويجلونه ويتبعونه، فذلك أبو حنيفة النعمان. والحياك يلد ولداً لا يجد سبيله إلى العيش إلا من سقى الماء يحمله في جامع عمرو، فيصله ذلك بالعلماء فيسمع منهم ويحفظ عنهم، فإذا به الشاعر الكبير الفحل: فذلك أبو تمام. والشعب العربي يألف كل هذا ولسان حاله يقول: الكل لآدم وآدم من تراب

ويبقى هذا الطبع في الشعوب العربية إلى عصرنا هذا، في البدو والريف، وفي أكثر أهل المدن، إلا جماعة من هؤلاء أخذوا عن عهود من الحكم لا يباركها الله، نعرة لا تأتلف والطبع الشرقي العربي أبداً. وإلا جماعة قليلة أخرى رفعها المال رفعاً، وحط بها الجهل، وهي تأبى أن تنحط؛ فاتخذت من الترفع ذريعة إلى الرفعة، وحاطت نفسها بزخرف من زخارف الحضارة كاذب، لعل في بهرة الظاهر ما يغني عن استجلاء الباطن

والشعوب العربية لم تضيق بغير العربي، فتبغ فيهم الكثير من الأعاجم. ولم يضيقوا بغير المسلم، فكان الأخطل من بين المقربين عند خلفائهم: خلفاء بني أمية، والدين جديد وقلوب المسلمين يقظة. واليهود وجدوا بين العرب ملجأ لما ضاقت بهم سبل الأرض. والسود! لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>