كان ذلك في (العيد الكبير) - كما كنا نسمي (عيد الأضحى) - وكنا يومئذ تلاميذ في مدرسة ثانوية، ومساكننا بعضها قريب من بعض، فنحن لهذا أصدقاء وإخوان. فاقترح أحدنا في صباح يوم أغبر أن نذهب في ليلتنا تلك إلى (دار التمثيل العربي) - أو تياترو الشيخ سلامة حجازي كما كنا ندعوه - لنشهد رواية (روميو وجوليت) فاعترضت على ذلك وقلت: إنه يكلفنا نفقة لا قِبَلَ لنا بها، فقد كان الواحد منا يأخذ في اليوم من أبيه أو ولي أمره قرشاً في اليوم، وكنا كثيراً ما نعجز عن إنفاق القرش كله لأنا لم نكن نجلس على (القهاوي) ولا كنا ندخن أو نشرب خمراً، ولم تكن السينما قد ظهرت في تلك الأيام، فكان يتفق أن يبقى مع كل منا في آخر الأسبوع بضعة قروش - اثنان أو ثلاثة، أو أربعة في بعض الأحيان - فنفرح، ونركب النيل بزورق، بضع ساعات. ولكن هذه القروش القليلة لا تكفي للذهاب إلى مسرح الشيخ سلامة، فما العمل؟؟ وأصر الإخوان على ذلك وقال قائلهم: أمامنا النهار كله، فلنحتل وليدبر كل منا أمره. فخجلت أن أقول إني عاجز عن الاحتيال والتدبير، ومضيت عنهم ببال كاسف وقلب حزين.
ورأتني أمي وكانت هي أبي وأمي - فقالت (مالك؟) ولم أكن أستطيع أن أكذبها أو أكتمها شيئاً إذا سألتني، فقلت:(إن زملائي قد اتفقوا على الذهاب في هذه الليلة إلى تياترو الشيخ سلامة، وليس معي ما يكفي لذلك، فأنا لهذا مهموم مكروب).
قالت: (لا شك. . . ولو كان معي فضل مال لأعطيتك منه، ولكن كل ما عندي - على قلته - لازم لمطالب البيت إلى آخر الشهر، ولن يستطيع أحد منا صبراً على الجوع، فاذهب