سيبقى اسم عرابي باقياً مذكوراً في التاريخ المصري الحديث ما بقى في مصر شعور بالقومية المصرية. وستظل الحركة العرابية أو (هوجة عرابي) باقية مذكورة في ضمير الشعب المصري حية على لسان أفراده وفي قلوبهم حتى تتمكن لمصر الحياة الحرة وحتى تتمكن للشعب المصري (الفلاح) السيادة التي جاهد عرابي لها ولقي في سبيلها ما لقي وما يلقي المجاهدون الأحرار
ومهما تكن نتائج الثورة العرابية. ومهما يكتب المؤرخون عن أخطائها فستظل ويظل اسم عرابي معها مذكوراً في ضمير الأمة المصرية كأول حركة قومية خالصة، وأول (تنبَّه) للشعور بالقومية المصرية في العصر الحديث، وأول هبة لتحقيق السيادة المصرية للدم المصري.
وقد عرف الكاتبون وكتب المؤرخون البحوث والتحقيقات عن عرابي البطل وعن ثورته. ولكني عرفت بمصادفة موفقة حديثاً عن العظمة النفسية التي كان يتميز بها عرابي؛ وعن الشعور الراسخ بالعزة الذاتية التي كان يحسها لمجرد أنه مصري وفلاح.
وقد بلغ شخص عرابي من الرفعة والمجد ما بلغ، وارتفع اسمه وعلا إلى حيث ارتفع، ولكن هذا كله لا يغير من نفسه ولا من شعوره بالفخار أنه مصري وفلاح، وبيننا إلى اليوم من لم يبلغ شيئاً ولا ارتفع اسمه شيئاً ولكنه يعلو بنفسه أن يكون فلاحاً وهو من طينه ومن ترابه.
بل لقد جعل عرابي نسب فخره أنه فلاح تحدّر من أصلاب فلاح ونشأ مثلهم ومعهم بين الماء والطين.
وحديث هذه الواقعة هو ما سأكتبه لقراء (الرسالة) كما سمعته.
منذ أيام عشرة قبض الله إليه شيخاً معمراً في قرية (هرّية رزْنة) قرية عرابي باشا في جوار الزقاريق وقد جاوز المائة.
وهذا الشيخ المعمر هو الشيخ علي نجم معلم القرية، وكان فيها صاحب (كتِّاب) تعلم فيه