مأساة شهيرة في التاريخ الإسلامي، هي مصرع غرناطة آخر معقل للإسلام بالأندلس، وشخصية محزنة هي شخصية آخر ملك أندلسي مسلم، طويت على يده تلك الصفحة المجيدة الباهرة التي افتتحها موسى وطارق في تاريخ الإسلام بإسبانيا قبل ذلك بثمانية قرون.
لبث الإسلام في إسبانيا خلال هذه القرون الثمانية يغالب النصرانية وتغالبه، والإسلام مذ انهار صرح الدولة الأموية دائم الخلاف والتفرق، سائر أبداً في طريق الضعف والانحلال؛ والنصرانية تجتمع دائماً على غزوه ونضاله، وتنتزع منه تباعاً قواعده وثغوره، حتى إذا جاء القرن الثامن لم يبق من دولة الإسلام الشامخة بالأندلس سوى مملكة غرناطة الصغيرة، تواجه وحدها داخل الجزيرة عدوها القوي. وسطعت هذه الأندلس الصغيرة مدى حين، ولكنها لم تنج من خطر التفرق؛ وإسبانيا النصرانية أثناء ذلك متربصة بها تكاد تلتهمها من وقت إلى آخر، لولا أن كانت صولة الإسلام في الضفة الأخرى من البحر - في المغرب الأقصى - تروعها وتردها. وكانت مملكة غرناطة كلما تبينت شبح الخطر الداهم تستغيث بجارتها المسلمة القوية فيما وراء البحر، دولة بني مرين. ولكن بني مرين لم يستجيبوا دائما إلى دعوة الإسلام المحتضر بالأندلس، وكانت لهم أحياناً مطامع ومشروعات في الأندلس ذاتها. وكانت إسبانيا النصرانية كلما استيقنت تصرم العلائق بين الشقيقتين انقضت على الأندلس فاقتطعت منها ثغراً أو قاعدة جديدة. وكان رجالات الأندلس يستشفون من وراء ذلك خطر الفناء المحقق، بل لقد استشعر به ابن الخطيب وزير الأندلس وكاتبها الكبير قبل تحققه بأكثر من قرن، وصرح به في إحدى رسائله إلى ملك فاس إذ يدعوه إلى غوث الأندلس ونجدتها ويقول:(ولاشك عند عاقل أنكم إن انحلت عروة تأميلكم أو أعرضتم عن ذلك الوطن استولت عليه يد عدوه) وهكذا نرى الأندلس منذ أوائل القرن التاسع الهجري تسير بسرعة في طريق الانحلال والفناء، حتى إذا كانت أواخر هذا القرن لم يبق للإسلام في إسبانيا سوى مملكة غرناطة الصغيرة وفيها مدن وثغور قلائل تتربص