ولقد انتقل رحمه الله إلى عدة مدارس ابتدائية وثانوية حتى اختير أستاذا بمدرسة القضاء الشرعي، وكانت قد طارت إليها بما نشرة من حين لآخر في الصحافة، فاستقبل بالتجلة والترحيب ووجد نفسه أمام عقول مستنيرة تفهم آراء وتسير معه في اتجاهه، فاخذ يغرس حب الأدب والفضيلة ويدفعهم إلى التعصب للعربية في وقت هوجمت فيه من أعدائها المغتصبين. ولقد غالى في ذلك مغالاة عدها الكثيرون رجعية وجمودا فكان لا يحفل بما تخرجه المطبعة العربية من الكتب الحديثة، ثم شفع القول بالعمل فأخذ ينهج في إنتاجه نهج القدامى من فطاحل العصر العباسي، فكان يبتدئ قصائده بالغزل الرائق، مكثرا من الغريب المجلجل، مستعينا بخياله البدوي في التوليد والتصوير، وتلك منه كبرى أسداه إلى الأدب العربي، فهو يذكر الناس بين الفنية والفنية بمن ينسج على منوالهم فيفيئون إلى الدواوين القديمة باحثين مستفيدين، ولا شك أن الأدب العربي كان في مبدأ هذه النهضة محتاجا إلى المحافظ اكثر من احتياجه إلى المجدد، وإلا فكيف نتشدق بالإبداع والتجديد، وتراثنا الرائع القويم لا يزال في ظلمات النسيان تشيح عنه الوجوه وتستجمعه الإفهام!!
وأحب أن أكشف عن حقيقة مطموسة، فالذائع المشهور أن أمير الشعراء هو أول من كتب الروايات المسرحية الشعرية، فقد أصدر أولى رواياته (كيلوباتره) سنه ١٩٢٨ م ثم أعقبها بعدة روايات مشهورة، والواقع أن عبد المطلب قد سبقه إلى ذلك بعشرين عاما، فقد نظم في سنه ١٩٠٩ وما بعدها بضع روايات شعرية ذات فصول ومناظر تمثيلية، وقد جعلها متينة الحوار، سريعة الحركة، حسنه المفاجأة. وكلها عربية بدوية تتخذ أسماء لامعة في تاريخنا الأدبي (كالمهلهل) و (امرئ القيس) و (ليلى العفيفة) ومن المؤسف حقا إنها لا تزال في غمرة الجحود مخطوطة بدار الكتب المصرية، ولعلنا نجد من يخرجها للناس في ثوبها