للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الوطنية والأممية]

للأستاذ ساطع بك الحصري

مدير الآثار بالعراق

- ٢ -

تصوروا أيها السادة أن هذا المفكر الذي استرسل في التحمس إلى القومية الألمانية بهذه الصورة العجيبة، كان قد ظل بعيداً عن التفكير في الوطن والوطنية حتى نكبة (يه نا) الأليمة. . . إنه تجاوز العقد الرابع من عمره، ولم يكتب كلمة واحدة عن الوطن والوطنية، مع أن أبحاثه الفلسفية كثيراً ما كانت تتناول مسائل الحياة الأخلاقية والاجتماعية. . . بل بعكس ذلك، أظهر ميلاً واضحاً نحو النزعة العالمية حتى أنه في أحد الدروس التي ألقاها في الثانية والأربعين من عمره - احتقر (الذين يرون وطنهم في الأرض والأنهر والجبال)، فقال: (إنني أسأل: - ما هو وطن الأوربي المسيحي المتمدن حقيقة؟ - هو أوربا بوجه عام، والدولة الأوربية التي تشغل الصف الأعلى في سلم الحضارة على وجه أخص. . .) وكان يشير فيخته في قوله هذا إلى الدولة الفرنسية نفسها!

إن المدة التي مرت بين نشر هذه الكلمة وبين حدوث واقعة (يه نا) كانت عبارة عن تسعة أشهر فقط! وأما المدة التي مرت بين نشر هذه الكلمة وبين إلقاء الخطب الوطنية التي بحثت عنها، فلم تتجاوز ثلاث السنوات!. . . فإن الوقائع التي حدثت خلال هذه المدة القصيرة اضطرت فيخته إلى الانتقال من الفكرة العالمية المتساهلة إلى النزعة الوطنية المتشددة، وجعلته من أشد المتعصبين للقومية الألمانية، ومن أقوى وأنشط الداعين إليها

وأما (آرنت) فقد اشتهر بأشعاره الوطنية التي أيقظت في نفوس الألمان روح الحماسة والتضحية، وأوقدت في قلوبهم ضرام النخوة والحمية في تلك الأيام المملوءة بأنواع المصائب والنكبات

فاسمحوا لي أن أسوق إليكم نموذجاً من أشعاره الحماسية قال:

(أعطوني وطناً حراً، وأنا أرضى أن أفقد كل شهرتي، فيصبح اسمي منسياً، لا يذكر في غير داري ودار جاري. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>