لقي رجال العلم الكوني من رجال الأديان - منذ ألفي سنة إلى القرن السابع عشر - ما يلقاه الخصوم من الخصوم، وبدل أن تتلطف حدة هذه الخصومة من ناحية المتغلبين - وهم حفظة الأديان - استحالت إلى وحشية جامحة؛ فكانوا إذا آنسوا من رجل نظراً فيما يتعلق بالوجود وقواه العاملة فيه - أو فيما يتعلق بعلل الظواهر الطبيعية - ألقوه حياً في النار، أو رموا به من حالق إلى مكان سحيق
فلما دالت للعلم الدولة بعد أدوار شتى من التطورات العقلية والاجتماعية في القرن السابع عشر، جعل حماته أكبر من همهم ليس الانتقام من رجال الدين فحسب، ولكن من الدين نفسه أيضاً، حتى لا تبق له دعوة في الأرض ينخدع بها بعض السذج فيجد بعض ذوي المطامع من يستغلونهم لسد نهمهم من المال والسلطان
اشتد العلم في إسقاط الدين، فوضع كثير من رجاله مؤلفات للتعديل على سذاجة عقائده الأساسية، وبينوا للناس أصولها من أوهام الجماعات الأولية وتداعي مبانيه حيال اليقينيات العلمية.
وأكثروا من الحط من كرامة الدين في كل فرصة سنحت لهم حتى لا تكاد تقرأ كتاباً علمياً لا تصادف فيه شيئاً من هذا التصدي. فأفضت هذه الحال إلى نفور مستعصٍ من الأديان في نفوس الطبقات التي تتلقى نصيباً من الثقافة المدرسية
ولكن لما كان من أخص صفات العلم التطور فقد اقتضت به الحوادث منذ تسعين سنة إلى البحث الجدي في عالم ما فوق الطبيعة، ولكن لا كما يفعله الفلاسفة باستخدام قوى العقل في التحسس منه، ولكن على أسلوب العلم نفسه من المشاهدة والتجربة
عقدة النزاع الأساسية بين الدين والعلم
هذه العقدة بين الدين والعلم أن الأول يقول بوجود عالم فوق الطبيعة يتنزل من جميع ما في الكون من كائنات مادية، وقوى عالمية، وهو الأصل الأصيل في وجود وقيام العالم