للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين الشك واليقين]

للأستاذ أحمد خاكي

تطغى على العالم اليوم موجة من الشك تكاد تخترم بقية اليقين التي يحرص عليه الفلاسفة. وقد أسرفت الجماهير في الشك حتى لقد أصبح هو القاعدة لكل تفكير، وأصبح اليقين شذوذاً لهذه القاعدة؛ وحتى ليكاد الإنسان يجزم بأننا نجتاز عصراً من عصور السفسطة التي فقدت عندها المعاني والأمثلة العليا أكثر قيمتها. وقد عانت تلك المعاني وهذه المثل العليا ما عانت لاختلاف وجهات النظر بين فريق وفريق؛ وكل فريق يذهب إلى ما يذهب إليه لأنه يرضي حاجة ملحة في نفسه، فهو يتعلق به لأنه يرى فيه إرضاء لنزعاته الجامحة سواء أكانت نبيلة أم وضيعة. وقد أدى ذلك إلى أن تضعضعت قواعد الإيمان وحل الشك في كل بيئة سياسية أو اجتماعية يتذرع به كل مفكر حتى تستوي له الغاية التي يريد. ولعلنا لن ندرك حاجة العالم اليوم إلى اليقين حتى نبحث أصول الشك، ولأننا نريد أن نقيم مثلاً أعلى يتألف قلوبنا، فينبغي أن نتعمق البحث في أصل ذلك الاضطراب الذي يصطخب به العالم

والحق أن الشك في العصر الحاضر قد أدرك ما أدرك من القوة لأنه لبس لبوساً علمية خالصة. فقد ذهب كل فريق إلى الرأي الذي يرضيه، لكنه جاهد في إرضاء تفكيره بأن اتخذ من العلم مسوغاً يضعف ويقوى. وأصبح الشك لذلك علمياً يقوم على دراسات شتى. ووجد المفكرون والسياسيون في تلك الدراسات معيناً لا ينضب من القضايا يستدلون بها على ما يعملون مهما نبا عن جادة الخلق القويم. وسنحاول في هذه العجالة أن نفصل تلك الدراسات المتشككة حتى نرى سبيلا واضحة إلى دراسة المثل الأعلى الذي نحاول أن نقيمه في مصر

والشك قد ضرب في أطواء الفكر الحديث حينما حل علم النفس محل فلسفة الأخلاق. فقد اصبح هذا العلم بعد ذلك مورداً يستمد منه كل مفكر قواعد يفسر بها الظواهر العقلية والنفسية. ولقد أقامت الفلسفة قبل ذلك ما أقامت، يؤمن الناس والعلماء بأصولها، لكنهم لم يقفوا إلا قليلا يحاجون طبيعة الإيمان. ولم يكن هؤلاء ولا أولئك يفرقون بين مراتب العقيدة ولا ألوان التفكير، ولكن حينما أبديت للعالم أصول علم النفس بما تحملته من مباحث

<<  <  ج:
ص:  >  >>