إن الحركة الموقفة هي التي يتبعها بعث، والوثبة المباركة هي التي تتبعها نهضة. ومن ألزم اللوازم لحركة الجيش بعث جديد، بعث في الشعب والحكومة والدستور، وبعث في الأزهر والدين وبعث في الأحزاب والهيئات، وبعث في الإذاعة والمسرح، وبعث في كل شيء يتصل بحياتنا ونهضاتنا ومثلنا العليا.
فالشعب المصري يجب أن يبعث من جديد إزاء هذه الحركة المباركة، فقد ظل السنين الطوال الثقال لا يؤمن بغير العبودية دينا، ولا يعتنق غير المسنة عقيدة، ولا يتخذ غير المصابرة والمسالمة مبدأ. وظل السنين الطوال الثقال لا يعترف له بوجود، ولا يقر له على الإنكار على الباطل، وقدم التواري على تقويم الاعوجاج. وظل السنين الطوال الثقال في حضيض الفاقة، بينما السادة الأغنياء فوق القمة من الثراء؛ ووسط أمواج من التعاسة والشقاء، بينما السادة الأغنياء داخل أبراج من الترف والبذخ. وظل السنين الطوال الثقال محكوما كما يحكم العبيد، ومسوقا كما تساق الأنعام، وتستبد به كل حكومة منحت سلطة الحكم المطلق، ووهب لها سياط الحكم الإقطاعي الجائر. وهذه الحركة المباركة فرصة للشعب المصري حتى يبعث من جديد، فيكون مصدر السلطات كما تتضمنه دساتير العالم، وتكون إرادته فوق إرادته حكومته كما هو في دول الدنيا الناهضة، ويكون حرا متحررا لا يقر بالعبودية لإنسان، ولا ينكس رأسه لمخلوق، ولا يرغم على اعتناق عقيدة لا يرتضيها، ولا على الاستمساك بمبدأ لا يرغب فيه. ولا على سلوك حياة لا يطمئن قلبه إليها.
والحكومة في حاجة إلى بعث جديد، فقد كانت من قبل أداة فاشلة يستغلها الاستعمار لمصالحه، ويسخرها لرغباته، ويسيرها الطاغوت المتربع على عرشه كما يهوى ويحب، وما كان يهوى إلا الفوضى في شتى ألوانها، وما كان يحب سوى الهرج، شأنه شأن الصبية في الأزقة والدروب، وكانت الحكومة موظفة لدى الطبقة الأرستقراطية ترضي أهواءها، والطبقة الرأسمالية تحرس ضياعه وتزيد في أموالها، والطبقة المترفة العابثة تهيأ لها سبل الترف وتمهد لها الطريق إلى العبث، وتجلب لها الفرق الراقصة الأجنبية على حساب الشعب المكدود حتى لا تتكبد مشاق السفر إلى أوربا، ووعثاء الجو إلى الدنيا الجديدة، وهذه