حين كنت في جامعة (كترنج) عام ١٩١٤، تقدمت بأطروحة عن (القصة الحديثة في أوربا) علمت أنهم سيكافئونني عليها بدرجة جامعية أخرى فوق الدرجة التي أنا متقدمة لإحرازها، وكان ذلك مدعاة لسروري بعض السرور في ذلك الحين!
وكنت طوال سني دراستي أعلق آمالي باحترافي في التدريس، وكان الأساتذة يعلمون هذه الآمال ويرعونها. ولست أدري ماذا حدث بعد فراغي من الدراسة ووداعي للجامعة؟ فقد تنكر عقلي لكل تلك الآمال العريقة! وانقلب كالوحش وقع وشيكا في الشرك! وتملكته قوة جامحة غضبي. . . وحين ألتفت إلى الوراء أراني وقد كنت بلهاء صغيرة غير مؤذية، لا تدري ماذا عساها أن تصنع، ولا تكاد تتبين سبيلها السوي في الحياة!
وتحت تأثير ظنوني الكبار بضرورات حياة يكفلها رزق ضيق لا يزيد على خمسين شلناً في الأسبوع، التحقت بنادي القراء، وكانت لي في تلك الأيام الطويلة فسحة من الوقت أنفقها في القراءة. ولأول مرة كنت أقرأ وأقرأ غير مدفوعة بإعداد أطروحة للجامعة! ولقد كان كل شيء أقرأه يتيح لي اجترار بعض ما تخزنه حافظتي. على أن القصص قلما كانت تشبع نوازع نفسي. ولقد تناولت أجزاء كتاب (تاريخ النهضة الإيطالية) واحداً فواحداً، وعشتُ بينها في تأثر وحبور لا يوصف. وعلى الرغم من جهلي بالقيمة العلمية التي يمتاز بها ذلك الكتاب، فإني مدينة له بدين لن أقوم بوفائه ما حييت!
وبعد تلك القراءات الكثيرة، وفي تلك الأيام التي لم أكن أجد فيها الراحة الكافية لاستئناف القراءة، كنت أكتب وحدي. . . وكذلك بدأت تسجيل فصول قصتي في بطء. وإني لأود الآن أن استدعي ذكريات حالتي النفسية والعقلية حين بدأت كتابة القصة، فلست أدري ماذا كان يروق لي أن اصنع! ومن المحقق أنني لم أكن أتوق إلى تأليف قصة، ولا ابتكار شخصيات؛ وفي الكناشة الضخمة - التي أحتفظ بها وحدها - صفحتان أو ثلاث تحوى