صحوت مع الفجر بعد ليلة حمراء، وهي الليلة التي ولد فيها هذا العام الجديد، صحوت ظمآن، ولكني لم أستسغ الماء، فقد شعرت أنه ذوب من ثلوج الشمال، وعند ذلك هتفت:
(أعوذ برب الفلق، من شر ما خلق)!
ولكن ما هو الفلق؟
أهو الصبح؟
وكيف وما كان ليلي إلا صبحاً في صبح؟
هو إذن (واد في جهنم)، كما قال بعض المفسرين، وبالله أعوذ، فما يدافع شر غير من خلق جهنم
وجهنم التي أخاف هي الجنية التي أرادت أن تأسرني إلى آخر الزمان، بالعقد الذي لا ينقضه الأحرار وهو عقد الزواج
في عصرية الأمس قال خالها الفرنسي وهو يراني أضحك معها وألعب:
? ' ٤٢
وقد اعتصر الحزن قلبي في تلك اللحظة، لأني كنت اعتزمت فسخ الخطبة، بعد أن رأيت خطيبتي تنقلني إلى وطن غير وطني، وبعد أن رأيت أهلها صاروا أعز علي من أهلي
ومن حالي معها أدركت السر في أن تحرم الدولة المصرية علي سفرائها أن يتزوجوا من أجنبيات
وهل أنسى أني رفضت المشاركة في الاحتجاج على ما صنع الفرنسيون في لبنان؟
من أجل حبها أبيت أن أكتب حرفاً واحداً في تقبيح ذلك الصنيع، فقد بدا لي غير قبيح، لأنه صدر عن أهل سوزان، وصدق شاعرنا العربي حين قال:
ومن بينات الحب أنْ كان أهلها ... أحبَّ إلى قلبي وعينيَّ من أهلي
إن الدرس الذي تلقيته عنها يفوق جميع الدروس، فقد بدأت أومن بتعلم لغة أجنبية يهاجر عن وطنه بطريقة خفية، وبدأت أفهم كيف صارت الوطنية شريعة عند الفرنسيس