ليس لعالم اللاسلكي حد ينتهي عنده. فهو يأتينا كل يوم بمعجزات لم تخطر على قلب بشر. فما كاد وليده بالأمس يكبر ويترعرع ويلعب دوراً جدياً في الحياة يملأ الدنيا بهجة وسروراً بما ينشر من موسيقى شجية وأحاديث عذبة ومسامرات طريفة، أقول ما كاد هذا الوليد يكبر حتى قال الإنسان الطماع (لو أن لي أن أرى ذلك الذي يشجيني بتلك الموسيقى، ويبعث إلي بأحاديثه. لو أن لي أن يكشف عن بصري كما كشف عن سمعي. إذاً لكنت إنساناً آخر). وسرعان ما وصلت هذه الأحلام إلى العقل البشري الجبار حتى يقوم لفوره يقول (ليس في الوجود معنى لكلمة مستحيل) فلم تكن كلمته محض هراء وهو الذي لا يلقي الكلام جزافاً.
ففي سنة ١٩٢٦طلع علينا العالم الإنجليزي الكبير جون بيرد بجهازه الأول في عالم التلفزة وعرضه بالمعهد الملكي في لندن ونقل به صوراً لأجسام بسيطة كانت موضوعة بغرفة مجاورة. وبالرغم مما كانت عليه الصورة المتلفزة من صغر واهتزاز وعدم وضوح، كانت فكرة جبارة جريئة شغلت العالم بعدها وملأت الرؤوس فقام الكثير يعمل على تحسينها وإنمائها فلم يمض عليها بضعة أشهر حتى قامت مصلحة التلفونات والتلغرافات الأمريكية بعرض هائل لتلفزة بعض الجسام ما بين واشنجتون ونيويورك، وقد كان من بين من اشترك في هذا العرض ما لا يقل عن ألف مهندس كهربائي.
تخطى الوليد دور المهد بعد سنوات ثلاث تحت رعاية مخترعه الأول الذي تمكن من إذاعته مع أخيه الأكبر بنجاح تام من محطة للإذاعة اللاسلكية في لندن على موجتين مختلفتين كما استقبلهما بجهازين منفصلين أيضاً.
ولأترك الآن النقطة التاريخية في الموضوع لأنتقل إلى شرح جهازي بيرد للإرسال والاستقبال كل على حدة. ويلاحظ أن التلفزة يقصد بها إرسال الصور الثابتة أو الأجسام