للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وجع القلب]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

وجدت بالتجربة أني لا أستطيع أن أحب كما تريد المرأة من الرجل - ولست أعني أني عاجز عن الحب، فما أعرف لي في هذه الدنيا عملاً غير ذلك. فأنا أحب الطعام الجيد والشراب اللذيذ والنوم الهنيء والراحة التامة؛ وأحب الكتب والصديق الموافق الذي لا ينغص الحياة على صاحبه بطول المخالفة وكثرة المكابرة ودوام الشذوذ؛ وأحب أشياء كثيرة لا أستطيع أن أحصيها. ولكني أحب نفسي وهذا هو البلاء الأكبر. وليس هو ببلاء، إذا أردت الحق، ولكن المرأة تراه كذلك. وعندها أنك تبيع نفسك حين تحبها. ولا بأس بأن يبيع المرء نفسه أحياناً، ولكن بيعها لا يستلزم أن تترك حبها وتكف عنه. وهل يعقل أن تفيض حبك على الناس والأشياء ولا تختص نفسك ببعض هذا (الفيضان؟) غير أن غير المعقول عندك هو المعقول عندها والذي لا يجوز خلافه ولا صبر لها على سواه، فهي من أجل ذلك تسود عيشك وتريك النجوم في الظهر الأحمر. على أن الرجل يستطيع أن يخفي حبه لنفسه أو يموهه ويستره بما يحجبه، ولا أظن أن في هذا عسراً فأنه يفعل هذا كل ساعة ولا يزال يعزو أعماله إلى بواعث أخرى يظنها أشرف وأسمى من حب النفس، فهو مثلاً يأكل لا لأنه يشتهي الطعام بل لأن من واجبه أن يحرص على أن يظل قوياً قادراً على خدمة النوع الإنساني، وعلى نفس هذا فقس! غير أن هناك ما لا سبيل إلى ستره وكتمانه وتمويهه، إذ من الواضح مثلاً أن من العبث أن تنظر إلى اليمين وأن تروح تزعم أنك إنما كنت تنظر إلى الشمال، فإن اتجاه العين لا يخفى ولفتة الوجه لا مغالطة فيها. فإذا كانت النظرة إلى امرأة وأنت مع أخرى فالويل لك ولستُ مسئولاً عنك. . . . قالت لي مرة إحداهن وأنا معها وقد رأت عيني تدور: (بص هنا) وجذبتني من ذراعي، فقلت وأنا مستغرب: (ولماذا لا أبص هناك؟) قالت: (كده) بهذا الإيجاز الذي لا يفيد شيئاً؛ فقلت: (كده يعني ماذا؟ قالت: (كده) ولم تزد. فضاق صدري فقد عجزت أن أفهم سر هذا الأمر المتعب أو حكمته وقلت: (يا ستي. . إن الله خلق عيني متحركة غير ثابتة فكيف ألزمها الثبات؟ ثم هبيني استطعت ذلك فلماذا أتكلفه؟).

فقالت: (عيب!).

<<  <  ج:
ص:  >  >>