للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأدب فير سير أعلامه:]

١٠ - تولستوي

(قمة من القمم الشوامخ في أدب هذه الدنيا قديمه وحديثه)

للأستاذ محمود الخفيف

خيوط من النور

لئن اشتدت حلكة الليل في عهد نيقولا، وأحاطت الناس المخاوف مما كان يتهددهم من المهالك، فإن خيوطاً من النور برغم ذلك كانت تتراءى على الأفق فتكون لأنفس الأحرار أنساً وشفاء وعزاء. . .

حالت القوة بين الروس وبين أي عمل يتصل بالسياسة فقام الفكر والأدب مقام العمل؛ ولكن أي فكر هذا وأي أدب وكيف يتسنى له أن يخرج من الرؤوس، وكيف تتجاوب به نفوس الأحرار والرقيب من ورائهم محيط وسلطة لا يجدها قانون ولا نقومها نصفة؟ ليس غير الفن ينفس به الأحرار عن أنفسهم وقد اختاروا من صور الفن: القصة والشعر والموسيقى. . . وراحوا يهمسون بهذا الفن همساً سوف يكون له في روسيا دوى عظيم.

كانت القصة الروسية على حد تعبير أحد الكتاب (صرخات من فوق خشبة الصلب)، ولكنها كانت صرخات القوى الذي أنطقه الألم الهائل على رغمه، لا صرخات الخائر الذي يستعطف ويبكي. . .

ولما كانت القصة في مقدمة الوسائل التي عبر بها الروس عما في نفوسهم، فقد برعوا فيها براعة جعلت الكثيرين من فطاحل النقد في أوروبا يسلمون لروسيا بالتنسيق في هذا الميدان، فعندهم أن فن القصة بلغ أوج كماله في القرن التاسع عشر في روسيا فقد سبق الروس في هذا القرن أساتذتهم من الفرنسيين والإنجليز والألمان حتى غدوا هم الأساتذة وأحدثوا في هذا القرن أثراً بعيداً في فن القصة في هذه الأمم الثلاث وفي غيرها ممن نقلوا القصة الروسية إلى آدابهم. . .

وليس بعجيب أن ينبغ الروس في هذا النوع من القصة، فأمام غيرهم مجال القول متسع في غير هذا الفن، ولكن الروس اضطروا أن يظلوا على القصة عاكفين زمناً طويلاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>