لا يريد الأستاذ أحمد أمين أن يفهم أن النقد من علائم الصداقة للحقائق وليس من علائم العداوة للأشخاص، ولا يريد أن يفهم أن ما بيننا وبينه من صداقة لا يجب أن يتعرض للزوال بسبب هذه المقالات التي فرضها الضمير والواجب، وكان خليقاً بأن يفهم وحي الضمير والواجب
ولو قد فهم هذه البديهيات لما استباح لنفسه أن يقول:
(كل الصلات بيننا مفقودة، فلا صلة بين الأستاذ وطلبته إلا الدرس، ولا بين الأديب وقرائه ألا صلة القراءة إن كانت، ولا صلة بين الأدباء أنفسهم إلا صلة السباب، فإن لم يكن سباب فرياء. . .)
وهذه الكلمات تدل على أن صديقنا أحمد أمين قد ضاق ذرعاً بدنياه منذ اليوم الذي رأى فيه لأول مرة توضع منزلته الأدبية في الميزان
فالأساتذة عنده قد انقطع ما بينهم وبين تلاميذهم، والكتاب قد انفصم ما بينهم وبين قرائهم، أما الأدباء فيما بينهم فيتعاملون على أساسين اثنين: السباب والرياء
وكذلك يرانا من السبابين، ويرى أصحابه من المرائين!
والأستاذ أحمد أمين متشائم إلى أبعد الحدود. ولو شئت لنبهته إلى خطأ هذا التشاؤم فأكدت له أن الأدباء عندنا أحسن حالاً مما يتوهم، فقد كتب إلى كثير من أصدقائه وتلاميذه يرجونني أن أترفق في النقد، وشهد ناس بأنه كان حسن النية فيما كتب عن الأدب العربي، ولم يكن إلا مجتهداً خانه التوفيق، وللمجتهد أجرُ حين يخطئ وأجران حين يصيب
وقد هممت بالتجاوز عن جناية هذا الصديق على الأدب العربي بقية هذا الصيف في هدوء وأمان، وليجد الفرصة لمناجاة (بحر العرب) وهو يقتعد صخرة المكس، ولكني تذكرت أن هذه المقالات لا تخلو من فوائد أدبية، وتذكرت أنه على كل حال من طلاّب الحقائق، وطالب الحقيقة قد يشرب من أجلها العلقم والصاب