لنا نحن الآدميين عالم صغير، هو الأرض. شغلنا به وبصغاراته عن العالم الأكبر وغاياته، بل إن لأكثرنا عالماً لا يعدو أن يكون بيته أو حجرته أو حقله أو وظيفته أو ديناره أو كأسه أو بطنه، إلى آخر هذه التفاهات.
وقد مضينا نقطع العمر هكذا دائرين على هذه الصغارات كما يدور الذباب على القاذورات والعفونات. . . وكأنه لا يعنينا من شأن هذا العالم الأكبر الذي نرى معالمه العظيمة في السماء تضيء لنا، وتنادي عيوننا بنورها إلى النور الأكبر الذي يضيء ذلك العالم، ما نراه ولا ما نراه، لنتجه إليه بآمالنا وأفكارنا ومساعينا، ولتتسع سماحة نفوسنا باتساع عالمنا الذي يشغل بالنا؛ فإن الذي يتجه إلى الكثير ويعنى بالعظيم، قليلاً ما يخاصم على القليل والحقير. وإن السر في سماحة النفس التي شغلتها السماء فلم تخلد إلى الأرض، هو هذا الاتجاه إلى مفاتح الرحمة وكنوز الثراء وخزائن النور الأعلى!
لهم عذرهم أولئك الذين مضوا قبل التاريخ، وقبل معرفة جدود الأرض وضآلتها ومركزها الصغير في الكون، أن تشغلهم أنفسهم أو ديارهم الضيقة، أو جزرهم المنثورة في محيط مائي، أو واحتهم الضالة في بيداء، وأن يحسبوا أن العالم ضيق لضيق ما يعرفون. . .
ولكن، لا عذر لأبناء هذا الزمان الذي يتلقى صغارهم وناشئوهم كثيراً من حقائق الكون وأوضاع الأرض وأخبار الأمم مما لم يبسر عشر معشاره لفلاسفة تلك الأزمنة التي خلت وبادت
كما كان يشير الرواد الأولون بأيديهم صوب الدروب والبقاع المجهولة التي كشفوها ورادوها، ينبغي أن يشير الآن رواد الحياة والعلوم للناس إلى الطريق الذي يجب أن يسيروا فيه وحده إلى حقائق الوجود الحالي وعلومه ومعارفه. . . ينبغي أن يشير المعلمون والآباء للأطفال إلى ذلك الطريق. . . ويفتحوا مداركهم على فجاج الحياة ومناجع الأسرار، وأن يشعروهم رهبة الرحلة في هذا الكون!
ينبغي أن يقول الوالد الجسدي أو الروحي لولده عند ما تتفتح مداركه ويستطيع التمييز: يا