كان لما كتبتموه في هذه الصحيفة عن ضرورة اهتمام الشباب بالشؤون العامة أثره البليغ في نفسي. فقد حملني ذلك على أن أفكر في غفلة الشعب عن الأمور العامة وحصره كل أفكاره وأعماله في دائرة عمله اليومي، فوجدت أن واحداُ في الألف هو الذي يتتبع مجاري الأمور، ويعني بشؤون مواطنيه وسياسة وطنه، وربما تجد قرى بأسرها لا تقرأ جريدة ولا تتصل بالعالم. وكل ما يهم الفلاح هو زراعة أرضه وأسعار محاصيله. ومن الصعب أن يتكون في الأمة رأي عام محترم إذا بقي حال الأفراد على هذه الحال فدخول الشباب المثقف في الميادين الاجتماعية والاقتصادية بالدعوة والإرشاد يفتح عيون العامة على الحياة الصحيحة فتتسع أفكارهم، وتبعد آمالهم، وينشأ فيهم الطموح إلى الأحسن. والنزوع إلى الأكمل، والشعور بأن الوطن وطنهم والحكومة حكومتهم، فإذا قدموا أبنائهم إلى العسكرية قدموهم مغتبطين لأنهم يدافعون عن أنفسهم؛ وإذا أدوا الضرائب أدوها راضين لأنهم ينفقون على مصلحتهم. وقد لمست أثر دعوتكم في نفسي فأصبحت أقرأ صحيفتي اليومية بروح جديدة واهتمام قوي.
كنت آخذ الصحيفة فأمر على عناوينها مراً لأتخير ما يستفز اهتمامي من أمور قد لا تتعدى مسألة اليوم وأخبار الملاهي والسينما، وهأنذا اليوم أحرص على تتبع الشؤون الداخلية كرجل ذي علاقة وثيقة بها، فأصبحت أقرأ أخبار المصالح المختلفة وكأنها تهمني مباشرة، وأمسيت أتتبع مناقشات البرلمان. ولا أكتمك أني حين قدمت الميزانية إلى المجلس كنت وأنا أقرأ مقدمة وزير المالية أتخيل نفسي زعيم المعارضة فأقرأها وأناقشها، فلما قرأت رد المعارضين تصورت نفسي وزير المالية فرحت أحاول الرد عليها وتبرير موقفي. وهكذا حالي مع كل ما يجد في البلد من أحوال وأخبار
هذه آثار دعوتكم في نفسي ولعل أثرها يكون في أخواني الشباب أبلغ مدى وأعمق أثراً. . . . . .