منذ لحظات كنت أستمع إلى أفراح الإنسانية العذبة في موسيقى (شتروس) في أحد الأفلام الشهيرة. لست أدري كم مرة شاهدت هذا الفيلم؛ ولكنني أدري أنني انسقت لمشاهدته كالمسحور، كلما قرأت عن عرضه في إحدى الدور.
وفي لحظة من لحظات الشك التي تساور النفس هذه الأيام في ضمير الإنسانية وطبيعتها؛ وفي غمرة من غمرات اليأس أن يكون في الفطرة البشرية خير أو تطلع؛ وفي فترة من فترات الخمود الروحي والجسمي، رانت على النفس فيها غشاوة، وحطت على الجسم فيها أثقال، ذهبت منساقاً إلى استماع هذه الألحان
وإن هي إلا لحظات، ونغمات، ورقصات، حتى أحسست بالخفة الناشطة في نفسي وجسمي؛ وبالرجاء المشعشع والاطمئنان المصفى، والأمل المحلق، والإنسانية الطليقة، والفرح السعيد.
قلت في نفسي: إن الإنسانية التي وسع ضميرها كل هذه الأفراح النقية وكل هذه الغبطة البريئة، والتي ذخرت طبيعتها هذا الفيض الإنساني المرح، وتلك الطلاقة الروحية المرفرفة في ألحان (شتروس) ورقصاته، لا يمكن أن تخلو من الخير، وأن تتهم بالإقفار من الحب، مهما نغل فيها اليوم من أحقاد وأضغان
هذا الفرح الملعلع في أجواز النفس وأجواز السماء؛ وتلك الطلاقة التي لا ظل فيها لقيد من قيود الأرض والغريزة؛ وذلك التحليق النابض بالحياة الحلوة البريئة؛ هذا كله لا يكون إلا أن يكون في البشرية خير مذخور، ورجاء منظور، وقبس من نور. وإلا أن يكون لها في السماء أمل، وفي الفراديس مكان، لا يتاح لغير الإنسان
وذكرت في هذه الساعة من يتحدثون عن (الفكر والسلطة) ومن يتحدثون عن (منفعة) الفنون المجردة. أولئك الذين يرفعون مرتبة التنفيذ فوق مرتبة التوجيه، وهؤلاء الذين لا