يظهر للباحث عنوان المرتضى (بيان القدرة والمقدور) ومن قوله عن زعم جهم بأن ما يكون في العبد من كفر وإيمان ومعصية فالله فاعله. يظهر أن المرتضى يرى أن نظرية جهم في خلق الأفعال هي عينها نظرية القدر، وهي هي نظرية الجبر؛ وقد صرح بذلك في رسالته في معرض صفات الله عند نهاية صفحة ٤٠ بقوله:(سبحانه وتعالى عما وصفه به القدرية المجبرة المفترون) وعليه يكون القدر في عنوان كتابه: (إنقاذ البشر من الجبر والقدر) عطف تفسير على الجبر
كما يظهر أيضاً من قوله: ولما أحدث جهم القول بخلق أفعال العباد قبل ذلك ضرار بن عمرو بعد أن كان يقول بالعدل فانتفت عنه المعتزلة واطرحته. يظهر أن النظرية العدلية كانت هي السائدة بين طبقات الأمة حتى بعد حدوث الاعتزال أي بعد القرن الأول، وأنها سبقت نظرية الاعتزال في الحدوث وسبقت نظرية خلق الأفعال؛ وأيضاً عند تدقيق أسطر المبحوث عنها ولا سيما ما يخص ضرار بن عمرو نستنتج النقط الآتية:
(١) إن واصلاً وعمراً هما رجلا الاعتزال وإن ضراراً كان معتزلياً؛ ونعرف هذا من أستتباع المرتضى انتفاء المعتزلة على ضرار بخروجه عما كان عليه واصل وعمرو بعد أن كان على رأيهما واخذ عنهما
(٢) إن الزمن الذي حدث فيه الاعتزال هو عند المائة الأولى، ويدل على ذلك أن ولادة واصل كانت سنة ٨٠ والعادة تقضي أن المرء لا يكون عالماً قبل أن يتجاوز العشرين من عمره وبإضافة العشرين إلى الثمانين تكمل المائة، وهو نتيجة طبيعية للتطور العقلي فإن للجدل العنيف بين طبقات الأمة في تكفير ذوي الكبائر أو تفسيقهم يؤدي عادة إلى خلق جماعة وسطى لذوي الكبائر منزلة بين المنزلتين
(٣) إن الزمن الذي حدثت فيه نظرية خلق أفعال العباد يكون بعد المائة الأولى بدلالة