(مهداة إلى الذين علموا أصحاب المبكي، فنون النباح، فراحوا
يخلطون العواء بالنواح. وكانوا أول من تنكر لناصره
ومؤيده، ونبح في وجه معلمه ومرشده.)
ننقل القصة التالية عن المقدمة النفسية التي افتتح بها (أبو الغصن جحا) خواطره التي أهداها إلى ولديه (جحوان) و (جحية) وقد ضمها مخطوط حجري نفيس، لعله مكتوب بخط رجل من أصحاب جحا أو بخط أحد معاصريه، وما أجدر أن يعتبر بهذه القصة من يرسمون لغيرهم طرائق الاعتداء ومناهج الجور، ويطول هتافهم وتصفيقهم لها، وإطراقهم وإعجابهم بها، متى وافقت أهدافهم، وأعانتهم على قضاء لباناتهم، حتى إذا عارضت أهواءهم، واصطدمت بأنانيتهم، ضاقوا بتلك الطرائق ذرعاً ولاقوا من هذه المناهج أشد الويلات.
قال أبو الغصن عبد الله دجين بن ثابت الملقب بجحا رحمة الله: قاتل الله الأثرة والأنانية - يا ولديَّ العزيزين - فإنهما تضلان الذكي، وتلغيان عقله الراجح، وتفسدان عليه منطقة السديد، فلا يلبث أن يعميه الهوى، وبنسبة الغرض ما هو خليق به من القصد والاتزان! وما أخلق الرجل العاقل بأن يعرف أن اكثر ما يشير يه من الرأي إنما هو سلاح ذو حدين: أحدهما له والآخر عليه. ولا يجوز لمنصف بعد أن يتخير الرأي ويرتضيه أن يقبل منه ما هو له ويأبى منه ما هو عليه. وما أولاه أن يروض نفسه على احتمال عواقب مشورته، فلا يوجه إلى غيره بعد أن يسر له سبيل الشر والأذية.
أقول هذا لكما بعد أن قص على بعض جيراني في هذا الصباح قصته شاكياً باكياً مرارته تتميز من الغيظ، وهو يلعن أنانية صاحبه، بعد أن رسم له طريقها، ونهج له خطتها، وزين