صدفتني أشغال شاغلة عن قراءة (الرسالة) ومطالعة كتب الأدب عامة منذ شهر أو اكثر؛ ولما عدت، وبعد تحرري من قيود الموانع، إلى النظر فيما فاتني من أعداد مجلتنا المحبوبة، ألفيت فيها مقالين في موضوع الفقه الإسلامي والفقه الروماني، أحدهما لمواطننا السيد علي الطنطاوي بعنوان:(حول الأوزاعي أيضاً)(العدد الحادي والتسعون)، والآخر للسيد صالح بن علي الحامد العلوي السنغافوري بعنوان:(هل تأثر الفقه الإسلامي بالفقه الروماني أم الحقيقة هي العكس)(العدد السابع والتسعون)؛ فرأيت أن الواجب العلمي يدعوني إلى أن أقول كلمة في الموضوع الذي عالجاه. فجئت إلى صاحب (الرسالة) أرجو منه أن يكرم وفادة كلمتي هذه، وله الشكر خالصاً
يتلخص ما جاء في المقالين في مادتين اثنتين:(١) كون الفقه الإسلامي لم يؤخذ عن الفقه الروماني ولم يتأثر به (٢) كون الفقه الروماني مأخوذاً عن الفقه الإسلامي
إنني لا أريد أن أبحث الآن في الشطر الأول من هذا الرأي، لأسباب منها أنه لا يجوز عندي الخوض في موضوع خطير كهذا بكلمة عجلى؛ وأما الشطر الثاني فلا أرى منتدحاً عن البحث فيه، وأعتقد أنه يحتمل الإيجاز
علم أصحاب المقلين أن الشريعة الرومانية هي أقدم عهداً من الشريعة الإسلامية، وأنه لا يمكن لعاقل أن يزعم ما زعماه بصورة بسيطة مجردة، ولذلك لجأ إلى تأييد دعواهما بدليل ليس بأقل منها غرابة، وهو أن الفقه الروماني المعروف اليوم هو - في نظرهما - فقه جديد (لفقه طائفة من العلماء بعد أن اندثر الفقه الروماني القديم) في كلمات لا تزيد على العشرين، وفي أقل من مدة قلم، يقضي الأستاذ الطنطاوي ببطلان ما أجمع علماء الحقوق والتاريخ بلا استثناء على صحته، وأنكر ما لم يختلف فيه اثنان منذ أن اشتغل الناس يدرس تاريخ الرومان وحقوقهم
ثم أيد الأستاذ العلوي دعوى زميله الطنطاوي، معتمداً على ما كانت نشرته مجلة حضرمية منذ ربع قرن لأحد السادة العلويين الحضارمة، فلم يخرج ما جاء به عن المناقضات