جون نيتل من أنبه الكتاب السويسريين ذكرا، وأجملهم أسلوباً، وأصدقهم فناً في نقل صور البلاد، والقيام بتحقيقات اجتماعية رائعة، وقد تجلت موهبته لا في دقة الملاحظة فحسب، بل في سحر أسلوبه وسلاسة عباراته، بحيث تنفذ إلى نفس القارئ وتحدث في عواطفه أعمق تأثير
ومما يدل أبلغ الدلالة على تفوق هذا الكاتب في فنه أنه برغم كونه سويسريا استطاع أن يثبت شخصيته أمام الإنجليز، وتمكن في روايته (الدكتور إبراهيم) من أن يدفعهم إلى الاعتراف بأن ثمرة تعليمهم في مصر هوت إلى الحضيض، وأن استعمارهم أصبح كابوساً لا يطاق لشعب نشر ألوان الحضارة والمعرفة، على حين كانت أوربا تغط في ظلمات الجهالة ومخلفات القرون
ويبدو لنا أن حالة الفلاح المصري أحدثت تأثيرا عميقاً في نفس هذا الكاتب، وجعلته أشد عطفاً عليه، وأميل إلى أن ينقل لقرائه صوراً رائعة من أفكاره ومعتقداته وسوء حالته المعيشية، مع حث المصريين على تجهيز قوافل برية ونيلية تؤلف من متاحف صغيرة متحركة، وتزود بآلات للسينما وأجهزة علمية لتغزوا الجهل المتفشي في القرى والدساكر وتقضي عليه قضاء مبرما
ولقد حدث من سنوات أن قام جون نيتل برحلة طويلة إلى مراكش حيث الاستعمار الفرنسي يرتع في بلد فطري، فما كاد يستقر هناك بضعة شهور حتى ثارت ثائرته على مظاهر الاستبداد الفظيعة، وكتب كتابه المشهور (مراكش وعبد الكريم) فغضبالفرنسيون لصراحته، وأحدث ظهور كتابه ضجة هائلة في الأوساط الاجتماعية والسياسية بفرنسا
ويظهر أنه وضع روايته الجديدة (الدكتور إبراهيم) عن مصر وهو على ثقة من أنه سيستهدف لغضب الإنجليز ونقمتهم، وتبرم صحافتهم بصراحته، لكنه لم يحفل بهذا كله ومضى يسرد الوقائع بين سطور كتابه ويصورها بريشة الكاتب الواقعي الذي لا يخضع لسلطان سوى سلطان فنه، غير عابئ بالحملات الشديدة التي أعلنت عليه، ولا بمختلف الانتقادات النارية التي استقبلت بها الصحافة الإنجليز كتابه