ها هو ذا العام الجديد يهُل، فأين السجل؟ تعال نقرأ ما خطه التاريخ في صفحتنا التي طواها الدهر أمس! هل انفرجت خوانق الأغلال قليلا عن الرقاب العانية؟ هل انجلت غواشي الغفلة عن العيون السادرة؟ هل إنجاب قتام الذل عن النفوس العزيزة؟ هل ائتلفت على عوادي الخطوب هذه القلوب الشتيتة؟ هل اقتنع المعتدون والمستبدون أننا ماض ينبعث، ومجد يستيقظ، وأمة تريد أن تستأنف بلاءها في جهاد الناس، وتستعيد مكانها من صدر الوجود؟
رويك لا تطل النظر فلن تجد فيه وا أسفاه إلا عبر عينيك!! لقد طويت هذه الصفحة كما طويت قلبها تلك الصفحات على بياض غير ناصع! وإن تاريخنا لا يزال يكتب عرضاً في تاريخ الدول، أو لحقا في تاريخ إنجلترا! فليس له في التقويم العربي حساب جارٍ، ولا في سفر العالم فصل مستقل!
لو كنا نسير إلى الوراء لعثرنا يوماً بمجد المصريين والعرب، ولو كنا
نسير إلى الأمام لظفرنا يوماً بمجد الفرنسيين والانجليز، ولكنا سقطنا
من الونَى والوهن في طريق الإنسانية، يخطو فوقنا الركب، ويدور
علينا الفلك، حتى رن في أسماعنا صوت الأجداد يُهيب صارخاً
الدلائل، ونتملق الأحداث، ونستحث القادة؛ ثم انقضى على هذه النهضة
المتلكئة قرن، وما نزال شملاً يتجمع، وأملاً يتطلع، وعزماً يشب.
متى السير إذن يا هادي المحجة؟! لقد مللنا قرع الطبول ودق البشائر، وقتلنا الزمن في تأييد رأي وتفنيد رأي، وأضعنا الجهد في عقد لواء وحل لواء، وخجلنا من هذا الموقف السلبي الذي يرصد الأهب في الخيال، ويصور الخطط بالشعر، ويطلب النضر في أحلام المنى!
انطوت صفحة العام المنصرم ولم تسجل في أوطان العروبة غير الأسى والألم: سجلت في مصر كما سجلت من قبل أهواء تتصارع، وأطماعاً تتعارض، وفردية تطغى، وأثرة تسف،