[الشجرة الرائدة]
للأستاذ أحمد زكي أبو شادي
سيطر الصقيع على الغابة، وأخذت الرياح الباردة تضرب الأغصان بعضها ببعض. كانت الأيام باردة نهاراً وقارسة ليل. ولكن إحساساً بإقبال الربيع نشأ في الغابة؛ وإذ نشأ هذا الإحساس واجهه شعور آخر مضاد، وهو الخوف من أن يؤدي التبدل إلى عاقبة أوخم. فقالت كل شجرة لنفسها: (لن أجرؤ على أن أكون الرائدة في الاعتراف بالربيع حتى لا تصاب براعيمي بأذى). وراحت سنديانة عتيقة تحذر جارة لها من عقبى التسرع. فأجابتها جارتها قائلة: (أيتها السنديانة التي كثيراً ما ضربتا الرياح! ألا يبهجك مهرجان الحياة التي يأتي بها الربيع؟) فساد السكون أياماً، ثم جاء الصبح الذي تمكنت فيه أشعة الشمس من مداعبة شجر الحور، فتفتقت إحداها، ثم تبعتها بقية الغابة!
سيطر البرد والصقيع على الغابة ... واشتد عصف قاسي الرياح
لم يبال البرد الغشوم بكنز ... مستسر في هذه الأرواح
أو لعل البرد والصقيع كانا ... يحرسان الحياة بالترهيب
فالبراعيم ملؤها خطرات ... حالمات في مهدهن العجيب
وتمشى في الغابة الحب والشو ... ق لداني الربيع وهو بعيد
أترى كانت البراعيم سكرى ... أم توارت وكلهن شهود؟
أيحس النبات إحساس صوفي ... وإحساس شاعر مسجون
هامساً بالصلاة تنشق في الجو ... حناناً ورعشة للغصون؟
ثم ساد الأشجار خوف غريب ... من جديد يكون شر البديل
ربما كان مرهق اليوم نعمى ... حين تلقى الغد المخيف الوبيل
ومضت وهي في التياع تناجي ... نفسها، لا تود مرأى الربيع
لا تود اعترافها بقدوم ... موشك قد يخونها للصقيع
فبراعيمها حياة لآتيها، ... وإيذائها هوان وموت
هي أولادها، كأن قصيداً ... قد حواها فهن بيت وبيت!
ومضت سنديانة ضربتها ... قاسيات الرياح عمراً طويل